مقالات الرأي

مقال رأي: السوسيال.. بين تطبيق القانون وتهُم الإِتجار بالأطفال

Aa

مقال رأي: السوسيال.. بين تطبيق القانون وتهُم الإِتجار بالأطفال

مقال رأي: السوسيال.. بين تطبيق القانون وتهُم الإِتجار بالأطفال

هذا المقال وصل إلى هيئة تحرير منصة "أكتر" الإخبارية، وتنشره كما وصل دون تدخل تحريري منها، وهو لا يعبّر بالضرورة عن رأي المنصة وسياستها التحريرية. 

السوسيال وأطفالنا، قضية قديمة جديدة، تتجدد في كل حادثة ترى الضوء وتجد طريقها إلى وسائل التواصل الاجتماعي.

وكعادة كل نقاش حول أي قضية أخرى، تجد هناك المؤيد والمعارض، المدافع والمهاجم، وتجد كذلك معظم المتابعين جالسين صامتين حائرين بين هذا الرأي وذاك.

ورغم تعدد الآراء حول موضوعنا هذا، إلا أن هناك سؤالاً واحداً يسأله جميع الأطراف المتابعين له، وهو: هل عليّ أنا حقاً أن أخاف من هذا الأمر أم لا؟

مع ذلك، أدرك تماماً أن هناك من يصر على أن هذا السؤال لم يخطر أبداً على خاطره، لكونه شخصاً ملتزماً بكل قوانين البلاد ويتبع مختلف طرق التربية الحديثة والراقية مع أطفاله، فلذلك لا داعي أبداً للقلق بالنسبة له.

لكن اسمح لي صديقي القارئ بهذا المثال السريع هنا.

هل حصل لك أن شاهدت أو سمعت يوماً عن شخص ما قام بشراء أحدث أنواع السيارات المزودة بأحدث تقنيات الأمان والسلامة، ومن ثم قام بتعلم كل القوانين المرورية وباتباع كل أساليب القيادة الآمنة خلال جميع رحلاته بالسيارة مهما طالت أو قصرت مسافتها.

وفجأة وخلال لحظة واحدة مباغتة، يختار سائق شاحنة ما يقود بالحقل المروري المقابل له أن يغفو فيصطدم مباشرة به، بالطبع يمكنك تخيل النهاية من هنا.

لكن هل تعتقد هنا أن صديقنا الملتزم بقواعد السلامة لم يدر بخاطره إمكانية تعرضه لهذا الحادث يوماً ما، وهو الذي يقود يومياً على الطريق ويلاحظ ضخامة وقوة تلك الشاحنات التي تشاركه الطرقات ويرى ويسمع من حين لحين عن الحوادث الحاصلة هنا وهناك.

أليس جميعنا قد يخطر هذا السؤال في بالنا خلال قيادتنا، هل تراني سأتعرض ذات يوم لحادث طريق؟ لكن رغم ذلك علينا جميعاً فقط محاولة تجاهل هذا السؤال رغم أهميته، وإبعاده عن رؤوسنا ومحاولة الاستمتاع بالقيادة مع الاستماع لتلك الأغاني التي نحبها. فبالنهاية الأمر هنا ليس إلا قضاءً وقدر!

لكن هل الأمر سيان مع قضيتنا هذه المتعلقة بأعز ما قد وهبنا في هذه الحياة؟

هل الهروب من المنشورات المتعلقة بسحب الأطفال، وحظر كل من يتكلم بها، وحتى أحياناً الهجوم عليه واتهامه بما لا نعلم يقيناً، والاستمرار بالدفاع عمن يدّعي ذاك المبتلى أنهم قد ظلموه، هل يمكن أن يعد هذا بأي حال من الأحوال فعلاً صحيحاً راشداً قد ينتج عنه أي نفع لأي أحد!

للأسف! يتسم غالباً معظم المهاجمين أو المدافعين بالتعميم، تجد أحد المهاجمين يقول أن السوسيال هي جهة حكومية تعمل كالمافيا ولها توجهات مخفية وممنهجة بهدف سرقة أطفال الناس وخاصة اللاجئين منهم، وتجد مدافعاً يرد عليه بأنه عاش في السويد منذ أربعين عاماً ولم يتعرض أي من السويديين له أو لأطفاله أو حتى لأحفاده بأي أذى أو مضايقة من أي نوع كان، ويردف قائلاً بأن السويديين هم ألطف الناس وأكثرهم عطفاً ويلتزمون جميعاً بالقوانين وبأعلى قيم الإنسانية وكل من لا يقر بذلك هو عدو لهذا البلد.

بالطبع يتكلم كلا الفريقين هنا عن تجاربهم الشخصية، ولكن هل يمكن تعميم هذه التجارب على مجتمع أو بلاد بأسرها؟

كل من يتابع الصحافة السويدية لا بد أن مر عليه العديد جداً من الأخبار المتعلقة بالفساد ومخالفات القانون التي تكتشف من حين لحين في مختلف دوائر الدولة ومؤسساتها، وهذا أمر طبيعي الوجود في أي دولة بالعالم. 

وكل من تعمق في داخل المجتمع السويدي بالشكل الكافي لا شك أنه صادف بعض العنصريين الحقيقيين الذين يتمنون فعلاً العذاب والدمار لكل من لا ينتمي لهم.

لا زلت أذكر تلك المداخلة التي قرأتها خلال إحدى النقاشات السويدية الدائرة على وسائل التواصل الاجتماعي، حين صرح أحدهم بأنه على قناعة تامة بأن جميع العرب يقومون (وعذراً للكلمة) بمعاشرة الحيوانات والتحرش بأطفالهم. وهذا التعليق لم يكن المفاجأة بالنسبة لي هنا، إنما المفاجأة كانت أن هذا الشخص ذاته يعمل موظفاً في إحدى روضات الأطفال.

هل يمكنك أن تتخيل صديقي القارئ أنك تقوم يومياً بتسليم ابنك لشخص يبتسم في وجهك ويلقي التحية عليك، لكنه يعتقد في داخله أنك تقوم بالتحرش بأطفالك، لمجرد كونك عربياً؟

هل يمكنك أن تتخيل ماذا سيكون موقفه إذا رأى طفلك يبكي يوماً ما من غير سبب؟

هل يمكنك أن تتخيل ماذا لو كان هذا الموظف أو غيره يعمل كمسؤول في قسم السوسيال، وأن يكون شخصاً مسؤولاً عن قرار بكل تلك الأهمية لك، متورطاً بقضايا فساد ستجعله مستفيداً بطريقة أو بأخرى من إرسال ابنك إلى عائلة أخرى؟

ستقول لي أن السويد هي دولة مؤسسات، وأن موظفاً فاسداً واحداً لن يتمكن من انتزاع ابنك منك، لربما تكون على حق، ولربما لا، فبالنهاية أنت الشخص الغريب والمجهول هنا بالنسبة لجميع زملاء العمل لذاك الموظف العنصري أو الفاسد.

وصحيح أنه قد لا يقدر ذاك الموظف وحده على سحب أطفالك، لكنه قادر بلا شك على زرع الرعب في قلب كل أفراد عائلتك لو صادفك حظك العاثر معه.

هل تراني أسعى لإخافتك هنا؟ بالطبع لا، وأعتذر لو تسببت بذلك.

لكن أليس يقال: معرفة الداء من الدواء.

هل أنصحك أذاً بأن تشغل أغانيك المفضلة وتزيل كل هذه الأفكار من رأسك؟ أيضاً لا.

فأنت هنا يا صديقي القارئ لست بصدد مواجهة القدر الذي لا يقهر، لكي تقول إن لا حول لك ولا قوة بما يجري. كما أن هذه القضية هي ليست قضية خاصة وفردية حتى تختار فيها أن تقف بعيداً متفرجاً عليها وترجو ألا تقترب لك من قريب أو بعيد.

إنما هي قضية عامة، وسكوتي أو سكوتك عنها لن يزيدها إلا انتشاراً وتأججاً.

والذي نواجهه نحن جميعاً ومعاً في هذه القضية هو قطعاً ليس السويد كدولة عريقة تحترم القوانين وتلتزم بحقوق الإنسان، وليس أيضاً شعب السويد بطيبته المعروفة وصدقه وحسن تعامله.

إنما صدامنا هنا هو فقط مع أولئك الموظفين الفاسدين أو العنصريين الذين قد يتواجدوا بدوائر القرار في مؤسسات الدولة كدوائر الشؤون الاجتماعية، أو أين ما وجدوا في هذه البلاد.

ولست بالمتشائم هنا، لكن أخشى أن لن ينجو معظمنا من هذا الصدام ما دمنا مصرين على أن نبقى غير مدركين وغير مبالين لما نفعله الآن ولما نحن قادرون حقاً على فعله، لو وجدت الإرادة.

بقلم كاتب حر.

أخبار ذات صلة
المزيد من أخبار - مقالات الرأي

أكتر هي واحدة من أكبر منصّات الأخبار السويدية باللغة العربية وأسرعها نمواً.

توفّر المنصة الأخبار الموثوقة والدقيقة، وتقدّم المحتوى الأفضل عبر النصوص والأفلام الموجّهة لعددٍ متزايد من الناطقين باللغة العربية في السويد وأجزاء من الدول الاسكندنافية وبقية العالم.

تواصل معنا

Kaptensgatan 24, 211/51 Malmö, Sweden
VD -  Kotada@aktarr.se

Tipsa -  Press@aktarr.se

Annonsera -  Annonsering@aktarr.se

للاشتراك بالنشرة الاخبارية

متابعة أخر الاخبار و المواضيع التي تهمك

2023 Aktarr جميع الحقوق محفوظة لمنصة ©