ملك السويد يكرم شاباً سورياً أسس شركة تشغّل عشرات النساء في سوريا
أخبار-السويدAa
عاش مضر قولي، تجربة خاصة في السويد، قوامها الاجتهاد، والجرأة، وتنوّع الاختصاصات ومجالات الاهتمام، التي أثمرت في النهاية عن ولادة شركته (Kouli Bros AB) التي نالت عام 2020 جائزة "البناة الجدد" التي يقدمها ملك السويد، كارل السادس عشر غوستاف لروّاد الأعمال من أصول مهاجرة. لكن وبالنظر إلى أن مراسم منح الجائزة تعطلت العام المنصرم بسبب فايروس كورونا، تأخر حصول مضر على جائزته، لكن وفي المحصلة، استحقت مراسم التكريم هذا الانتظار.
من هو مضر قولي؟
مضر قولي من مواليد دمشق، كان بطل سوريا لثلاث مرّات في رياضة التنس (كرة المضرب)، درس هندسة جينات وراثية من الأردن، وعاش بعد ذلك متنقلاً بين قطر ودبي أسس خلالها عدداً من الشركات قبل قدومه إلى السويد عام 2015. وبخلاف الكثير من أبناء الجاليات العربية نجح مضر سريعاً بإيجاد عمل كمدرّب تنس في جامعة ستوكهولم في اليوم الثاني من وصوله إلى البلاد. وفي وقت قصير بدأ تدريبه في شركة دعاية وإعلان ما أكسبه مزيداً من الخبرة في هذا المجال، وخلال وقت قصير نال جائزة (البيضة الذهبية) عن إحدى الأفكار التي أنجزها لصالح الشركة. وانتقل بعد ذلك للعمل ضمن نقابة (Ledarna)، نقابة المدراء في السويد، لمساعدة اللاجئين والقادمين الجدد على الاندماج ضمن سوق العمل إضافة لتقديم محاضرات للمدراء السويديين عن الموضوع نفسه بهدف تعريف كل طرف بالآخر وبناء جسر بينهما.
ثياب سورية في السويد
كل تلك التجارب رغم اختلافها مهدت لظهور شركة (Kouli Bros AB) التي أسسها مضر مع أخوه عبد الرزّاق عام 2018. والحقيقة أن الفكرة انطلقت من دمشق حينما بدأت والدة الشابين في سوريا بجمع عدد من النساء اللوات يعانين من ظروف معيشية صعبة في مختلف المحافظات السورية، وقامت بتدريبهن في دمشق على مهارات الخياطة. بدأت النساء بخياطة الألبسة لكن التسويق في دمشق كان صعباً فقرر مضر وأخوه أن يكونا "أول زبائن المشروع" ويحاولا شراء القطع المنتجة ومن ثم بيعها في السويد. لكن المشروع كان بحاجة لمصممين، وهنا خطر للمؤسسيّن الفكرة التي شكلت فيما بعد هوية الشركة. ويشرح مضر خصوصية الشركة كالتالي: "فكرنا أنه يمكن لنا إفساح المجال لأي شخص كي يكون مصمماً ويضع تصاميمه على الموقع الخاص بالشركة، ويأخذ عمولة في حال نجح ببيع تصاميمه، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالمرأة التي تخيط كل قطعة". ويضيف السيد مضر أن هذه الآلية في العمل حققت نجاحاً كبيراً، واليوم يوجد (18) مصمماً ينتظرون وضع تصاميمهم على الموقع الخاص بالشركة. أما فريق العمل فكان في البداية مؤلفاً من (26) امرأة، ووصل اليوم إلى (46). وحالياً تضم الشركة ثلاث علامات تجارية تعتمد المبدأ ذاته القائم على التعاون مع فنانين مستقلين، "فأي شخص يستطيع أن يكون فناناً ويضع تصاميمه" كما يقول مضر.
جائزة البناة الجدد فرصة للوصول لأكبر عدد من الناس
وحول حصوله عن الجائزة يقول رجل الأعمال الشاب: "أكثر ما أثار فرحنا بالجائزة أنها كانت بمثابة تقدير لجهودنا ولجهود أمنا التي أرادت مساعدة النساء عبر خلق فرص عمل لهن". يضيف بإن الجائزة حملت بالنسبة له معانٍ مختلفة، فإلى جانب كونها شكلٌ من أشكال الاعتراف بعملهم من قبل أهم شخصية في السويد، ممثلة بالملك نفسه، فهي أيضاً فرصة للانتشار على الصعيدين العملي والشخصي، فاليوم يأتي الكثير من السويدين من أصحاب شركات الألبسة ويطلبون تصنيع أو تنفيذ منتجاتهم في سوريا عن طريق شركة (Kouli Bros AB)، وهذا يعني تأمين فرص عمل أكبر للسوريين في الداخل.
من وجهة نظر مضر، كان هناك عاملين جعلا الشركة مؤهلة لنيل جائزة البناة الجدد، أولها بالطبع الجانب الإنساني المتعلق بتأمين فرص عمل للمحتاجين في الداخل السوري، والجانب الثاني يرتبط بتفرد الشركة في استخدام القطن العضوي الذي تشتهر به سوريا لتبطين قطعها التي تعتمد أسلوب الطباعة على الأقمشة (Full on print)، خاصة وأن هذا النوع من الصناعات كان يستخدم مادة البوليستر لتبطين الثياب. ومع ازدياد عدد المنافسين، استطاعت الشركة التوصّل إلى نوع جديد من القماش يتكون 60% من القطن، ويسمح بأن تتم طباعة التصاميم عليه، لتكون القطعة بمعظمها (الخارج والبطانة) مؤلفة من القطن، وهو أمر لم يكن متاحاً في مجال الأقمشة المطبوعة من قبل.
افتح عيونك وآذانك للنصائح والفرص
وفي نهاية لقائنا سألنا السيد مضر أن يقدم بعض النصائح للشباب المقيمين في السويد والذين يرغبون بالانخراط في سوق العمل. فقال إن أكثر ما ينصح به هو التمتع بالصبر إذا كان الشخص يمتلك فكرة ويؤمن بها. أما النصيحة الثانية فتتعلق بانفتاح المرء على سماع آراء الآخرين والاستفادة من تجاربهم دون أن يكون متعنتاً ومتشبثاً برأيه. هذا إلى جانب إدراك أهمية بناء شبكة علاقات، وتحديداً في بلاد مثل السويد، حيث يجب "التأقلم مع المجتمع الجديد دون المبالغة في التمسك بالعادات القديمة". فلا بد بحسب مضر: "فهم الآلية التي يعمل بها هذا البلد، والمواظبة على متابعة الأخبار والتواصل مع العديد من الهيئات التي تقدم للمرء العون مثل مكتب العمل أو أي منظومات تشرح كيفية الاستفادة من أنظمة الضرائب ومن المساعدات التي تقدمها هيئات حكومية أخرى".
في الحقيقة، أهم ما يميّز تجربة مضر هو فهمه العميق للمجتمعين الذي تحرك بينهما؛ سوريا التي نشأ فيها، والسويد التي اختارها كمكان للاستقرار. فهو استطاع تحليل نقاط القوة أو القيمة المضافة في كل منهما؛ سوريا بقطنها العضوي الثمين وأيديها العاملة المخلصة والمتقنة، والسويد بما فيها من فرص للانفتاح على الأفكار الجديدة، وشبكات العلاقات وسوق العمل الخاص المليء بالفرص التي تنتظر من يكتشفها ويستثمرها.