من غسل الصحون في مطاعم الوجبات السريعة، إلى مصافّ أغنى رجال العالم وأكثرهم نفوذاً في مجال التكنولوجيا. قصة حياة جنسن هوانغ، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «نفيديا» Nvidia، تجسّد مسيرة صعود نادرة في عالم الأعمال. الرجل الذي كان ضحية للتنمر في المدرسة، أصبح اليوم صانعاً لمستقبل الذكاء الاصطناعي عبر شركة تعتبر الأهم عالمياً في قطاع الرقائق الإلكترونية. واليوم، يصل هوانغ إلى السويد، وتحديداً مدينة نورشوبينغ، حيث سيُلقي محاضرة كضيف شرف خلال منحه درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة لينشوبينغ، في مناسبة تركز على الذكاء الاصطناعي، المجال الذي غيّر مسار حياته ومسار العالم. تحالف جديد مع ترامب قبل أيام فقط، شارك هوانغ في جولة للرئيس الأميركي دونالد ترمب في الشرق الأوسط، حيث وقّع عقداً ضخماً لتوريد 18 ألف شريحة متطورة من إنتاج نفيديا إلى السعودية. هذه الصفقة تمثل مؤشراً إضافياً على تعاظم دور الشركة في السباق العالمي نحو تقنيات الذكاء الاصطناعي. ويرى كريستوفر باريت، مدير صندوق في شركة «كارمينياك» لإدارة الأصول، أن هوانغ «رجل رؤيوي قام بالأمور بطريقته الخاصة، وهو صارم للغاية مثل غيره من كبار قادة التكنولوجيا». ويضيف: «العمل معه ليس نزهة، بل أقرب إلى نمط حياة». وقد التقى باريت بهوانغ عدة مرات ويصفه بأنه «لطيف، ومتعاون، وسهل الحديث». من تايوان إلى كنتاكي... بداية غير متوقعة وُلد جنسن هوانغ في تايوان، لكنه أُرسل في سن مبكرة مع شقيقه إلى الولايات المتحدة للعيش مع أحد الأقارب. ظنّت العائلة أن المدرسة التي سيلتحق بها في كنتاكي كانت مدرسة داخلية مرموقة، لكنها في الواقع كانت مؤسسة دينية مخصصة للشباب المضطربين. يروي هوانغ: «كان كل الطلاب يدخنون، وأظن أنني كنت الوحيد الذي لا يحمل سكيناً». وبسبب صغر سنه، لم يُسمح له بالبقاء في هذه المدرسة، فنُقل إلى مدرسة حكومية حيث تعرض لتنمّر عنصري متكرر من زملائه، ووُصف بألفاظ مهينة موجهة للآسيويين. ورغم تلك الظروف، استطاع هوانغ بفضل نبوغه أن يتجاوز صفين دراسيين، وتخرج من الثانوية في سن 16. وفي عام 1993، أسس شركة نفيديا رفقة شريكين آخرين، وذلك في أحد مطاعم سلسلة «دينيز» التي كان يعمل بها سابقاً كغاسل صحون. من الألعاب إلى الذكاء الاصطناعي بدأت نفيديا نشاطها بتصنيع بطاقات الرسوميات المخصصة للألعاب الإلكترونية، لكنها سرعان ما وسّعت نطاق أعمالها لتصبح اليوم من الشركات الرائدة في رقائق الذكاء الاصطناعي. وتُستخدم رقائقها في كبرى شركات التكنولوجيا حول العالم. شهد سهم الشركة قفزة هائلة بنسبة تجاوزت 1400% خلال السنوات الخمس الماضية، لتصبح نفيديا ثاني أعلى الشركات قيمة سوقية بعد مايكروسوفت. أما هوانغ، فقد أصبح من بين أغنى 15 شخصاً في العالم، بثروة تقدّر بنحو 118 مليار دولار. ويؤكد باريت أن مشاركة هوانغ في جولة ترمب لا تعني انحيازاً سياسياً، قائلاً: «العديد من قادة الشركات مضطرون للتقرب من ترمب لأسباب عملية، وليس بدافع سياسي». من حافة الإفلاس إلى الريادة العالمية اختير اسم «نفيديا» من الكلمة اللاتينية «invidia» والتي تعني الغيرة، تعبيراً عن الطموح بأن تحظى الشركة بمكانة يُغبط عليها. إلا أن بدايات الشركة لم تكن سهلة، إذ كادت تصل إلى حافة الإفلاس في بداياتها. لكن مع دخولها عالم الذكاء الاصطناعي وتعاونها مع مؤسسات مثل OpenAI التي أسسها سام ألتمان، تمكنت نفيديا من ترسيخ موقعها كشركة محورية في الثورة التقنية الجارية. اليوم، تقترب أسهم الشركة من أعلى مستوياتها التاريخية، وهوانغ في المرتبة الثالثة عشرة بين أغنى أثرياء العالم، في وقت تستعد فيه السويد لاستقباله على أراضيها تكريماً لإسهاماته.