رحلت بابوشا تشيورارو Papuşa Ciuraru، التي عاشت يوماً متسولةً بين أزقة ستوكهولم، عن عمر يناهز الـ 90 عاماً، لتترك وراءها إرثاً من الصمود والتحدي.وصلت بابوشا إلى السويد قبل سبع سنوات حين كانت تبلغ من العمر 83 عاماً، وقابلت العديد من الأشخاص الذين أصبحوا أصدقاءً لها وعائلةً بالنسبة لها. وعلى رغم الصعوبات التي واجهتها، تميزت بابوشا بروحها الدافئة وحس الفكاهة الذي كان يشع منها. نشأت في رومانيا، حيث عاشت أحداثاً مروعةً خلال الحرب العالمية الثانية، ونجت من الموت مرات عدة. وكانت تحلم بحياة أفضل لأبنائها وأحفادها، وعملت بجد لتحقيق هذا الحلم. كما كانت ترغب في كسر العزلة التي تعاني منها القومية الغجرية، ولم ترغب في التسول، ولكنها تقول: "الآن أنا جالسة هنا، ولكن أحفادي سيكونون بخير".حلم التعليم تحقق في النهايةبصفتها غجرية في رومانيا، كانت الأبواب المدرسية مغلقةً أمام بابوشا، فلم يُتاح لها حق الدراسة. لكن طموحها لم يعرف حدوداً، فقد كانت ترزح تحت أمل بناء مستقبل مشرق يضمن فرصاً أفضل لأبنائها التسعة وأحفادها الثلاثين. وبالفعل تلقى الأحفاد تعليمهم ضمن الدورات المسائية، واليوم يعمل الكثير منهم، ومن بينهم من سيحقق لقب مهندس مؤهل في العام المقبل.وفي لقاء أجرته صحيفة Aftonbladet مع بابوشا عام 2017، كشفت عن حلمها البسيط والمتواضع، حلم تعلم الكتابة. حيث أن بابوشا، التي لم تحظ في صغرها بفرصة الالتحاق بالمدرسة مثل الكثير من أقرانها من الغجر، وجدت نفسها أخيراً في صفوف دورة تعليمية بكلية الشعب. وذكرت الصحيفة ألم اللحظات التي كانت فيها بابوشا عندما واجهت صعوبات في البنك عندما كانت ترغب في إجراء عمليات السحب أو الإيداع، كانت تقف عاجزة أمام إمكانية التوقيع باسمها، وكانت تضطر لرسم علامة الصليب بدلاً من ذلك، وكان شعور الخجل يسيطر عليها.وفي نهاية المطاف، بعد مواجهة العديد من التحديات والصعوبات، تمكنت بابوشا من تحقيق حلمها البسيط، وتعلمت كتابة اسمها بنفسها.النجاة من هجوم إرهابي تمكنت بابوشا من النجاة من الهجوم الإرهابي الذي وقع في شارع الملكة Drottninggatan في ستوكهولم في أبريل/ نيسان 2017، حيث كانت بابوشا واحدةً من بين الجرحى في الهجوم الإرهابي. عندما اندفع راخمات أكيلوف Rakhmat Akilov بشاحنته نحو الحشود، وأصيبت بابوشا عندما اصطدمت بتمثال أسد خرساني كان في طريق المركبة.كما أنها شهدت ضده، وخلال المحاكمة، وقفت بابوشا متوجهةً بكلماتها الحادة إلى أكيلوف، مرتديةً أجمل ملابسها الغجرية، ووجهت له سؤالاً قائلةً: "ألا تخجل من نفسك؟ أليست لك أم أو جدة؟". وكانت تلك الكلمات كفيلة بإذابة قلب الجاني، فبدأ بالبكاء، حسب ما أفادت صحيفة Aftonbladet.وبعد تلك الأحداث الأليمة، خضعت بابوشا لعملية جراحية طارئة في السويد، لكنها وجدت أبواب الرعاية الصحية مغلقةً أمامها. وحتى في أرضها الأم، رومانيا، وُجدت مهمشةً، وحرمت من العناية التي كانت بحاجة إليها.وبعد وفاتها، تم جمع التبرعات لتحمل تكاليف جنازتها، حيث توفي واحد من أولادها قبلها وحصل على المكان المخصص لها. اليوم، تعيش قصة بابوشا كمثال على العزيمة والإصرار، وتمثل مصدر إلهام للكثيرين، فهي تروي لنا أنه لا يوجد حلم صغير، ولكل إنسان القدرة على التغيير وتحقيق الأماني.