أخبار السويد

من يهدد قيم التحرر في السويد؟ وما دور الإعلام الناطق بالعربية في ذلك؟

من يهدد قيم التحرر في السويد؟ وما دور الإعلام الناطق بالعربية في ذلك؟ image

عروة درويش

أخر تحديث

Aa

تشويه سمعة السويد

Foto: Pontus Lundahl/TT

ليس الحديث عنها بالجديد، ولكنّه تعاظم مع ازدياد الصراع في الشرق الأوسط: إنّها التوترات الاجتماعية التي تحاول جهات داخلية أن تبني سمعتها بالاستناد إليها، فتحقق مكاسب انتخابية وشعبية، وكذلك جهات خارجية تريد أن تستمرّ عبرها بأجندتها التي حذّر جهاز الأمن السويدي Säpo منها مراراً عند حديثه عن مستوى التهديد. لكن هذا يدفعنا لطرح الأسئلة التالية: من المسؤول عن هذا التوتر وإذكاء ناره؟ الأمرُ الآخر، ما مدى تأثير وسائل الإعلام الناطقة بالعربية والتركية في السويد في هذا التوترات، سواء إيجاباً أو سلباً؟

في هذا المقال البحثي، سنحاول أن نجيب عن هذه الأسئلة بشكل حيادي، حتّى نتمكن من الوصول إلى إجابات يمكن البناء عليها عند البحث عن حلول.

قضايا التوتير الداخلي

ربّما المثال الأبرز الذي يجب الحديث عنه عند التطرّق لمسائل التوتر الداخلي، هو مسألة إحراق القرآن والسماح به. والتي بسببها تمكّن كثيرون، كما أسلفنا، من الاصطياد في الماء العكر. عندما تواصلتُ مع البروفسور سيمون سورينفراي Simon Sorgenfrei، من جامعة سودرتون Södertörns högskola لفهم تأثير إحراق القرآن على المشهد الاجتماعي السويدي، اعتبر بأنّ الحالات التي قام فيها راسموس بالودان وسلوان موميكا بإحراق القرآن كانت معزولة، مستنداً إلى أنّ الاستطلاعات في حينه أشارت بأنّ موقف معظم السويديين كان معارضة إحراق القرآن.

البروفسور سيمون سورينفراي

لكنّ سورينفراي أضاف أمراً غاية في الأهمية، فقد قال بأنّ "التمييز ضد المسلمين وجرائم الكراهية يمثلان تحديات للمجتمع السويدي"، وأضاف بأنّ "إحراق القرآن من قبل بالودان وموميكا أوآخرين قد يؤدي إلى أشكال أكثر شدّة وحدّة من المظاهر أو من الأفعال المناهضة للمسلمين. إنّها مسألة يجب أن تؤخذ على محمل الجد".

الصراع في الشرق الأوسط والمجتمع السويدي

يبدو أنّ الصراع الأخير في الشرق الأوسط كان له أكثر من مجرّد تأثير بسيط على المجتمع السويدي، وخاصة المجتمع المهاجر. فبين من يقول بأنّ معاداة السامية قد زادت، وبين من يقول بأنّ الإسلاموفوبيا وكراهية المسلمين قد زادت، هناك من يراقب بخوف ما سيجري.

الموقف الرسمي للحكومة السويدية من الصراع في الشرق الأوسط هو باختصار: "لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها ضدّ إرهاب حماس… ولكنّ هذا الحق ليس مطلق… يجب على إسرائيل تجنّب قصف المدنيين ومنشآتهم بقدر الإمكان أثناء دفاعها عن نفسها… السويد من المتبرعين الرئيسيين للمساعدات الإنسانية، وهي تشدد مع الاتحاد الأوروبي على أهميّة السماح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة… يجب تجنّب التصعيد الإقليمي… حلّ الدولتين هو أمر جوهري لسلامٍ مستدام".

لكن سواء شاءت الحكومة، أم لم تشئ، فالتوتّر وصل إلى المجتمع السويدي. يقول البروفسور دانييل شاتز Daniel Schatz من واشنطن، بأنّ معاداة السامية في السويد قد ارتفعت بشكل خطر، ويقول بأنّ السبب في ذلك هو سياسة الاندماج السويدية الفاشلة: "لقد جلب الإسلاميون المتطرفون وغيرهم من ذوي الخلفيات المهاجرة في الشرق الأوسط الصور النمطية المعادية لليهود إلى السويد، والتي يتم التعبير عنها في سياق الصراع العربي الإسرائيلي. إن معاداة السامية المستوردة متجذرة في سياسة الهجرة والاندماج الفاشلة وترتبط بمشاكل مجتمعية مثل التطرف الديني والتطرف والإرهاب والفصل العنصري".

 البروفسور دانييل شاتز

لكن لا يوافق الجميع على تحليل البروفسور شاتز، بأنّ سبب تصاعد معاداة السامية والتوترات الاجتماعية في السويد هو ما قاله، فعندما تواصلتُ مع البروفسور من جامعة لوند، أوليفر خاربروت Oliver Scharbrodt، كان يرى بأنّ الصراع في الشرق الأوسط يؤثّر على المجتمع السويدي بكلّ أسف، لكنّه يرى أيضاً بأنّ الحكومة السويدية والأحزاب اليمينية هم المسؤولين عن التهميش الذي يؤدي للتوترات. قال خاربروت: "يتم استغلال الصراع الحالي وتعاطف الغالبية العظمى من السكان العرب والمسلمين في جميع أنحاء أوروبا مع محنة الفلسطينيين من قبل الأحزاب اليمينية لمزيد من تهميش ونبذ الأقليات العربية والمسلمة في السويد وفي جميع أنحاء القارة. إن اتخاذ معظم الحكومات الأوروبية - بما في ذلك الحكومة السويدية - موقفاً أحادي الجانب مؤيداً لإسرائيل في الصراع الحالي يزيد من الشعور بالعزلة، ولا سيما الشباب المسلم الذي يشعر بجميع العوامل مجتمعة، حيث يشعر الكثير منهم أنهم ليسوا مرحب بهم في المجتمعات الأوروبية، وأنّ مخاوفهم وآرائهم لا تؤخذ على محمل الجد، أو يتم تشويهها باعتبارها متطرفة".

البروفسور أوليفر خاربروت

ما هو الحل السريع؟

بالنسبة لللبروفسور دانييل شاتز، فالحلّ هو قيام مؤسسات الحكم السويدية (الحكومة والبرلمان) بما عليهم كي يمنعوا تصاعد موجات معاداة السامية ومعاداة المسلمين، وعدم التسامح معها كما في السابق. يقول: "لفترة طويلة ظلّ صناع القرار في السويد سلبيين في مواجهة التطرف الذي نشأ في أعقاب الصراع في الشرق الأوسط. واليوم، فإنهم يعلنون عدم التسامح مطلقاً تجاه التطرف. في الوقت نفسه، ارتفعت أصوات بين اليساريين والمتعاطفين مع فلسطين الذين سعوا إلى تبرير إرهاب حماس في سياق المقاومة المشروعة والمناهضة للاستعمار. يتطلب الأمر الآن اتخاذ تدابير ملموسة من جانب الريكسداغ والحكومة، فضلاً عن مقاومة تعميم الحجج في النقاش ذي النغمات المعادية للإسلام".

يبدو هذا متفقاً مع ما كانت المجموعات المسلمة في السويد تطالب به ردّاً على إحراق القرآن. ففي هذا السياق تحدّث البروفسور سيمون سورينفراي عندما ردّ على سؤال مدى استفزاز إحراق القرآن للمجموعات المسلمة بالقول: "تختلف ردود الفعل داخل المجتمع المسلم المتنوع في السويد. ونقلاً عن استطلاع أولي أجرته منظمة دوكو، فالعديد من التجمعات الإسلامية في السويد تعتبر عمليات الحرق بمثابة استفزازات كبيرة يجب حظرها بموجب القانون".

لكن لدى بروفسور لوند، أوليفر خاربروت، رأيٌ آخر. فعند سؤاله عن مدى تأثير الصراع في الشرق الأوسط على القيم الليبرالية في السويد، اعتبر أنّ الحكومة السويدية، وبقية الحكومات الأوروبية، قد تخطت القيم الليبرالية بمحاولتها إسكات من يؤيد فلسطين والتعبير عنها. يقول"يمكننا أن نلاحظ الجهود المبذولة للحد من التعبير العلني عن الدعم لمعاناة الفلسطينيين في جميع أنحاء أوروبا. وفي حين تختلف التجارب من بلد إلى آخر، يمكننا أن نلاحظ كبحاً غير مسبوق لحرية التعبير: حيث يتم حظر المظاهرات، ولا يُسمح بعرض الرموز الوطنية للهوية الفلسطينية في الأماكن العامة، وأي جهد لإضفاء منظور أكثر دقة على الصراع الحالي يجري تشويه سمعتها باعتبارها معادية للسامية. لم تكن حرية التعبير معرضة للخطر في أوروبا قط كما كانت خلال الصراع الحالي. ويجب التمسك بالقيم الليبرالية، بما في ذلك الحق في التعبير عن الدعم للفلسطينيين، للجميع".

بل ويذهب البروفسور خاربروت إلى أبعد من ذلك، حيث يتهم الحكومة السويدية بالتواطئ مع الجرائم: "يمكننا أن نلاحظ تآكل القيم الليبرالية داخل المجتمعات الأوروبية من خلال التطبيق الأحادي الجانب لحرية التعبير. بالإضافة إلى ذلك، كانت الحكومات السويدية والحكومات الأوروبية الأخرى متواطئة في جرائم الحرب التي ارتكبتها الحكومة الإسرائيلية الحالية والتي تشمل قتل عدد غير مسبوق من المدنيين في غزة (معظمهم من النساء والأطفال الذين لا يشكلون تهديداً لأمن إسرائيل). هناك جهود موثقة جيدًا تقوم بها الحكومة الإسرائيلية الحالية لتطهير قطاع غزة من معظم سكانه الفلسطينيين وتدمير المساجد والكنائس والمستشفيات والمقابر والتراث التاريخي لغزة. وكانت الحكومات الأوروبية صامتة بشكل واضح بشأن هذه القضايا. أين الدفاع عن القيم الليبرالية هنا في ظل تآكل واضح لنظام القانون الدولي والقانون الإنساني والمبادئ الأساسية للإنسانية؟ الانطباع لدى معظم العرب والمسلمين في أوروبا وفي جميع أنحاء العالم هو أن حياة الفلسطينيين لا أهمية لها. ولهذا السبب، فإن التهديد الذي تتعرض له القيم الليبرالية والديمقراطية في المجتمعات السويدية وغيرها من المجتمعات الأوروبية لا يأتي من الشرق الأوسط، بل ينبع من ردود أفعال الحكومات التي تدعي أنها ملتزمة بحقوق الإنسان والقانون الدولي ولكنها أظهرت تجاهلاً تاماً لهذه القيم. فكيف يمكن للمسلمين والعرب أن يشعروا بأن هذه الحكومات تأخذ همومهم على محمل الجد وتمثلهم؟".

دور الإعلام في السويد

في Judehatets svarta bok : antisemitismens historia från antiken till i dag، وضّح الباحثون السويديون بأنّ معاداة السامية ليست هي ذاتها معاداة الصهيونية، فلماذا إذاً تصرّ بعض وسائل الإعلام، سواء الناطقة بالسويدية أو الناطقة بالعربية والتركية، على التلميح بأنّهما من الطينة ذاتها؟

ربّما للقصّة التي رواها البروفسور دانييل شاتز تشرح السبب، فقد تحدّث عن تعرّض فيكتور، السويدي البالغ من العمر 32 للتهديد، وكأنّه هو المسؤول عن أعمال إسرائيل أو عن مقتل الفلسطينيين، واضطراره لمغادرة منزله والهرب خوفاً على حياته، والسبب الوحيد هو أنّه يهودي. لا يمكن بأيّ حالٍ من الأحوال تبرير هذا الأمر أو اعتباره ردّ فعلٍ طبيعي على ما يحدث في الشرق الأوسط. وأيّ وسيلة إعلام تغطي هذا الخبر على أنّه أمرٌ عادي لا يثير الهلع ويقرع جرس الإنذار، هي وسيلة إعلام تريد الضرر والأذى بالمجتمع السويدي، وتؤيّد معاداة السامية. يجب على القوانين أن تلاحق الأشخاص الذين يقومون بهذه المضايقات، وأيضاً الذين يحرضونهم في الإعلام الموجود في السويد.

لكن المشكلة هنا ليست فقط لدى الإعلام الناطق بغير السويدية، بل لدى الإعلام السويدي، وشخصياته اليمينية أيضاً. فإن نظرنا إلى دعوة يومشوف لحظر الرموز الإسلامية في السويد وتشبيهها بالرموز النازية، سنعلم أنّ هناك من يرغب بالبناء على الكراهية. يقول البروفسور أوليفر خاربروت: "... فشلت معظم وسائل الإعلام السائدة في أوروبا في تقديم صورة غير متحيزة ودقيقة للصراع الحالي. يمكننا أن نرى مراراً وتكراراً كيف يتم إضفاء الطابع الإنساني على الإسرائيليين ومعاناتهم بعد هجوم 7 أكتوبر، بينما يتم تلخيص معاناة الفلسطينيين في أعداد مجهولة من الأشخاص الذين قتلوا أو ببساطة لا يتم ذكرها على الإطلاق... من السهل دائماً توجيه أصابع الاتهام خارج أوروبا عندما يتعلق الأمر بتهديد القيم الليبرالية. ومع ذلك، في الوقت الحالي، يمكننا أن نرى تآكلاً مفتعلًا ذاتياً للقيم الليبرالية في جميع أنحاء أوروبا بسبب فشل معظم الحكومات الأوروبية ومعظم وسائل الإعلام الرئيسية في الدفاع عن حقوق الإنسان والإنسانية الأساسية للفلسطينيين".

في الختام… في مقال في "أكتر" حول تشويه سمعة السويد ومؤسسة السوسيال، بات واضحاً أين يكمن جزء من المشكلة الإعلامية في السويد. ففي بعض نتائج المقال جاء ما يمكن أن نكرره الآن، لأننا ندرك أن جزءاً من المشكلة واحد: 

قلتُ حينها: "كيف يمكن للإعلام أن يواجه هذه التحديات الكبرى؟ مهمة الإعلام، وخاصة الناطق باللغة العربية، لا تقتصر بالتأكيد على تقديم الأخبار فحسب، بل تمتد لتشمل التحقق من صحتها، وتحليل دوافعها، وكشف أجنداتها الخفية. وفي ظل تزايد التضليل والأخبار المفبركة، يتوجب على الإعلام الناطق بالعربية في السويد أن يتمتع باليقظة وأن يتأكد من مصادر المعلومات، مع الحفاظ على مهنية ونزاهة الرسالة الإعلامية".

أخبار ذات صلة
المزيد من أخبار - أخبار السويد

أكتر هي واحدة من أكبر منصّات الأخبار السويدية باللغة العربية وأسرعها نمواً.

توفّر المنصة الأخبار الموثوقة والدقيقة، وتقدّم المحتوى الأفضل عبر النصوص والأفلام الموجّهة لعددٍ متزايد من الناطقين باللغة العربية في السويد وأجزاء من الدول الاسكندنافية وبقية العالم.

تواصل معنا

Kaptensgatan 24, 211/51 Malmö, Sweden
VD -  Kotada@aktarr.se

Tipsa -  Press@aktarr.se

Annonsera -  Annonsering@aktarr.se

للاشتراك بالنشرة الاخبارية

متابعة أخر الاخبار و المواضيع التي تهمك

2023 Aktarr جميع الحقوق محفوظة لمنصة ©