مجتمع

نسرين الغلاييني: كيف تكونين أماً مهاجرة لأبناءٍ من ذوي الاحتياجات الخاصة؟

Aa

نسرين الغلاييني: كيف تكونين أماً مهاجرة لأبناءٍ من ذوي الاحتياجات الخاصة؟

قد تكون الأمومة مُهمةً صعبة، لكن أمومة نسرين، الفلسطينية المهاجرة من قطاع غزة لطفليها "فادي" و"ثائرة" من ذوي الاحتياجات الخاصة كانت تجربة استثنائية في صعوبتها، تعلّم الثلاثة خلالها الكثير عن معنى الاختلاف وتقبله. هي رحلة شاقة بدأتها هذه العائلة في غزة وانتهت في السويد لكنها تحمل في طياتها الكثير من الحب والتحدي والأمل. 

بدء رحلة شاقة من غزة إلى السويد 

تركت نسرين الغلاييني(43 عاماً) قطاع غزة نهاية 2013 حينما فكرت بضرورة البحث عن مكان جديد لابنيها فادي وثائرة المصابان بنوع من التوحد والتراجع في المقدرات العقلية التي تؤثر على مقدرتهما في الاستيعاب والكلام. أرادت الأم مكاناً يقدم لهما فرصاً أفضل في العلاج والحياة والتعلم، واختارت السويد وجهة لها. في ذلك الوقت كان فادي في 13 من عمره وثائرة في 11 لكنهما واجها الكثير من المعوقات قبل أن تستطيع والدتهما الحصول على لم شمل وإحضارهما إلى السويد بعد أن قدمت جميع الإثباتات حول وضعهما الصحي. وبمجرد وصولهما بدأت الأم رحلة العلاج ستسمر سنوات وتحمل مفاجآت غير متوقعة. 

صراع نسرين لتقبّل الواقع والسعي للتعامل معه 

طوال سنوات ظلت نسرين تنتظر أن يتحسن أطفالها ويكونوا قادرين على الكلام والتواصل مع الآخرين. لكنها استوعبت مع مرور الوقت بأن تغيّراً مثالياً كذلك لن يحصل، وبدأت تتقبل فكرة أنهما مختلفان. وهذا ما دفعها لتعلم لغة الإشارة باللغة السويدية بنفسها كي تكون قادرة على التواصل معهما. فإن كانا هما عاجزين عن الكلام لا بد عليها من محاولة التحدث بلغة يفهمانها، لغة تركز على الصور والإشارات وحركة الجسد. على صعيد مهني نجحت نسرين رغم ظروف عائلتها الصعبة في العمل في "سويد بنك" وتعلمت بدورها اللغة السويدية التي مكنتها من التواصل مع الأطباء ومتابعة القوانين المتعلقة بالأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في السويد. وكانت في الوقت ذاته تتعاون مع أخصائيين في النطق وأطباء يتابعون الوضع الصحي لأبنائها. 

ثائرة

صعوبات التعامل مع مراهقين من ذوي الاحتياجات الخاصة

بمجرد دخول أبناءها سن المراهقة، واجهت نسرين مرحلة جديدة حرجة، أكثر صعوبة من كل ما سبق، خاصة مع ظهور سلوكات عنيفة ومواقف مربكة عجزت عن مواجهتها لوحدها. في ذلك الوقت لم يقدم الكمون لها ما يكفي من المساعدة ولم يخصص لها شخصاً يساعدها في العناية بأطفالها. تقول مستذكرة هذه الفترة الصعبة "كان لا بد عليّ من التفكير بمصلحتهما واتخاذ قرارات تفيدهما حتى لو لم أكن أرغب بها". تؤكد الأم أيضاً أنها لجأت إلى تركيب كاميرات مراقبة في المنزل كي تثبت للجهات المعنية أنهما يمارسان أحياناً أفعالاً عنيفة قد تعرضها هي للخطر. ولهذا وبعد أن بلغا 18 من عمرهما، تم نقل الشابين إلى سكن خاص يحصلان فيه على الرعاية التي يحتاجانها. لكن نسرين حتى في هذه المرحلة كانت مضطرة لخوض المزيد من المعارك لضمان أن يحصل أطفالها على أفضل رعاية ممكنة. ففي 2018 تم وضع الشابين في مكان غير ملائم ولهذا قامت الأم بسحبهما وإعادتهما إلى منزلها وحركت الصحافة للحديث عن تجربتها وكشف الفساد في المؤسسة المسؤولة عن تأمين المساكن الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة في مدينة يوتيبوري (Göteborg). وبالتالي احتاجت نسرين وقتاً طويلاً كي تقتنع مرة ثانية بإرسالهما إلى السكن الخاص بعد تلقيها ما يكفي من الضمانات بأن طفليها سيحصلان على العناية الكافية هذه المرة. واليوم هي تزورهما وتستقبلهما في منزلها لكنها تقبلت أخيراً فكرة أن يكون لهما حياة خاصة بمعزل عنها. 

المجيء إلى السويد كان قراراً صائباً

تأسف نسرين اليوم أنها تأخرت في اتخاذ القرار بالسفر إلى السويد وجلب أطفالها، فالسنوات الإضافية التي أمضياها في غزة أثرت سلباً على تطورهما، لكنها تقول: "أن تأتي متأخراً خيرٌ من ألا تأتي، وأن سعيدة لاختياري السويد". فالشابين اليوم يتمتعان بالرعاية التي يحتاجانهما، والدولة ستتكفل بالاهتمام بهما دائماً، كما أن هناك من يتولى أمورهما المالية. 

نجاح ثائرة في انقاص وزنها بعد المثابرة على الذهاب إلى النادي 

لحظات جميلة بعد وقتٍ صعب

في الختام تصف الأم رحلتها مع أبنائها بـ"الرحلة الشاقة"، لكنها تقول بأنها تشعر بالسعادة حينما تنظر  إلى النتائج التي استطاعا تحقيقها. ففادي يستطيع اليوم "الوقوف على قدميه" وهذا الأمر ليس مجازاً، فهو كان يعاني سابقاً من تقوّس في عموده الفقري لكنه وبعد العلاج والتمرينات بات يتمتع بظهر مستقيم. كذلك حقق الشاب انجازاً آخر لم تتوقع نسرين أنه قد يحصل يوماً؛ إذ تخرّج من المدرسة الثانوية الخاصة بذوي الإعاقة. كذلك الأمر بات فادي اليوم قادراً على استيعاب 90 % من الكلام الموجه له بالعربي والسويدي.

فادي أثناء حفل تخرّجه من الثانوية الخاصة بذوي الإعاقة

بدورها أحرزت ثائرة تطوراً ملحوظاً أكبر من شقيقها، حيث أتقنت لغة الإشارة بصورة مثالية وهي قادرة اليوم على نطق كلمات مفهومة إلى حد كبير. تقول نسرين متأثرة: "هو انجاز عظيم بالنسبة لي حينما أتلقى رسالة على هاتفي المحمول من ابنتي تسألني فيها متى ستأتي لزيارتي". فالفتاة اليوم قادرة على التواصل كتابةً مع أمها، كما أنها بدأت قبل فترة بالذهاب إلى النادي وإجراء التمارين الرياضية لإنقاص وزنها ونجحت في بناء روتين خاص بها. كل تلك إنجازات صغيرة تعني الكثير لنسرين التي انطلقت قبل سنوات إلى السويد دون معرفة ما ينتظرها، متأملة أن يحمل المستقبل لها ولأبنائها مصيراً مختلفاً عن الحياة التي عاشوها في القطاع المحاصر.   


 

*ملاحظة: الأمم المتحدة تستخدم اليوم مصلح "ذوي الإعاقة" لكن أكتر فضلت استخدام المصطلح الذي اختارته نسرين أثناء كلامها. 

اقرأ أيضاً:

أكتر هي واحدة من أكبر منصّات الأخبار السويدية باللغة العربية وأسرعها نمواً.

توفّر المنصة الأخبار الموثوقة والدقيقة، وتقدّم المحتوى الأفضل عبر النصوص والأفلام الموجّهة لعددٍ متزايد من الناطقين باللغة العربية في السويد وأجزاء من الدول الاسكندنافية وبقية العالم.

تواصل معنا

Kaptensgatan 24, 211/51 Malmö, Sweden
VD -  Kotada@aktarr.se

Tipsa -  Press@aktarr.se

Annonsera -  Annonsering@aktarr.se

للاشتراك بالنشرة الاخبارية

متابعة أخر الاخبار و المواضيع التي تهمك

2023 Aktarr جميع الحقوق محفوظة لمنصة ©