نسرين جمعة، مهاجرة سورية الأصل جاءت إلى السويد في منتصف 2015. تسكن في خوفده Skövde على بعد ساعتين من يوتوبوري. ترى نسرين السويد بعيون أجمل ممّا يراها كثيرون، ولهذا ربّما أراؤها مهمّة في محاولتنا أن ننقل لكم تجارب الجميع على اختلافها.تحمل نسرين شهادة ماجستير في القانون الدولي من سورية، ولديها خبرة عمل مع مكتب مفوضية اللاجئين لمدة 6 أعوام. عندما وصلت إلى السويد بصحبة زوجها عدّلت شهادتها دون الحاجة لإعادة دراسة أيّ مادة وحصلت على كامل النقاط، وعملت في عددٍ من الأعمال أغلبها حكومي، كمكتب العمل، وعملها الحالي في وكالة الضرائب السويدية skatteverket.تجربتي مختلفة كلياًكان الأساس للقائي مع نسرين أنّها تفاجأت من الكمّ الهائل من الناس الذين يعتبرون بأنّ السويد بلد عنصري، فتجربة نسرين – كما أوضحت لي – لا يمكن أن تجعلها تصل للنتيجة ذاتها.بدأت نسرين حديثها بنوع من الدبلوماسية قائلة: «أتقبل أنّ تجارب الناس مختلفة، وأنّ البعض قد عانوا من العنصرية بينما لم يمرّ الآخرون بما مروا به... لكن أعتقد بأنّ هناك عوامل أخرى يخلط الناس بينها وبين العنصرية».الريفرنس ليس واسطةترى نسرين بأنّ الريفرنس ليست واسطة، بل هي ببساطة وسيلة ليتعرّف فيها السويديون على الأشخاص الذين سيوظفهم، والتي تأتي في آخر مرحلة من التوظيف ولا تؤثر على تقييم المؤهلات. تتابع: «لنكن واقعيين ومنطقيين، نحن قادمون من دول لا يعرف السويديون الكثير عنها، وتصنيفها من العالم الثالث. هذه الدول فيها حروب ونزاعات وتعليمها وجامعاتها غير موثوقين، وحتّى خبرة العمل فيها هي شيء مجهول بالنسبة لهم... الأمر أنّهم يريدون أن يكون طالب الوظيفة لديهم مجرّب من غيرهم في السويد، فالتكوين النفسي للسويديين بطبيعته أنّهم أشخاص حريصون ويحبون الاستقرار ولا يحبون تجربة الأشياء الجديدة ولا التعامل مع الأشخاص الجدد – رغم أنّه لا يكرههم ولا يشعر بالعنصرية ضدهم».خطر لي أن أسأل نسرين: كيف للقادم الجديد إلى السويد أن يجد "ريفرنس"؟ من أين سيحضر ريفرنس وهو جديد؟ فأجابت: «الهاندليغره في مكتب العمل». ترى نسرين بأنّ الذين تجمعهم علاقة متوترة بالهاندليغره الذي يستلم طلباتهم مخطئون، وأنّ عليهم أن يظهروا بأنّهم جديون في البحث عن عمل حتّى يساعدهم، ويخبرهم كما فعل معها بإدراجه كريفرنس.محجبة ولكننسرين محجبة، والمحجبات كما نعلم جميعنا هم من فئات المهاجرين الرئيسية التي يقوم العنصرين بمهاجمتها، ولهذا سألتها بشكل مباشر: «ألم تتعرضي للعنصرية بسبب حجابك؟»، فأجابتني بشكل مباشر: «على الإطلاق... ولا حتّى مرّة واحدة».ما السبب؟ ترى نسرين بأنّ السبب الرئيسي هو نظرتنا للأمور، فكما تقول: «فهمنا لما حولنا هو نتيجة لما نفكّر به». فإذا ما فكرنا طوال الوقت أننا في بلد عنصري، فأيّ تصرّف يقوم به أيّ شخص سنفسّره بأنّه عنصري.ترى نسرين بأنّ هذا محطّم للمعنويات ومحبط، خاصة أنّها تسمعه من أشخاص لا يزالون في مراحلهم الأولى يدخلون إلى السويد وهم ينتظرون العنصرية ويفسرون كلّ شيء بوصفه عنصري. سيجعل هذا الناس يتراجعون عن المحاولة قبل أن يبدؤوا حتّى.الحب والسعادة مختلفانعندما سألتُ نسرين عمّا إن كانت تحبّ السويد وسعيدة فيها، أجابت مباشرة: «أحبّها جداً، ولكنّ السعادة أمر آخر». شرحت الأمر بأنّ حبّها للسويد نتيجة راحتها فيها وقدرتها على تحقيق إنجازات واستقرار في حياتها فيها، وكذلك اطمئنانها إلى المستقبل الذي يمكن لأبنائها أن يعيشوه فيها.تحبّ نسرين السويد لأنّها، كما ترى، تعاملنا كما نستحق وتعطينا قدرنا، ولا تأخذ اعتبارات شكلنا. فمنذ قدومها إلى السويد تمّت معاملة نسرين على أساس سلوكها في المجتمع فقط، ولم تحاسب على آرائها أو شكلها أو أيّ شيء من هذا القبيل.أمّا السعادة فكان لدى نسرين تحفّظ عليها، فكما قالت: «نحن معتادون على أجواء اجتماعية أكثر انفتاحاً ونشاطاً، وهو الذي نفتقده بشدّة هنا فيجعلنا الأمر نشعر بأننا دوماً في غربة».نسرين تقول بأنّها شخص طموح، وتحلم بأن تنشئ في الوقت المناسب عملها الخاص، وبالنسبة لها فالسويد هي بلد ممتاز ومثالي لتحلم وتطمح وتحقق ما تريد.أزيلوا العنصرية من بالكمإن أردنا أن نستفيد من خلاصة تجربة نسرين في السويد، فيمكننا أن ننقل ما قالته بأمانة: «أزيلوا فكرة العنصرية من بالكم، سواء أكان هناك عنصرية أو لم يكن. الهدف أن تفرضوا ذاتكم وتجدوا مكانكم في السويد عبر التعامل بإيجابية مع الجميع».ترى نسرين أيضاً بأنّ الثقة بالذات هي أساس ممتاز لمناهضة العنصرية إن وجدت، وتدعو الجميع إلى رفض اليأس والمحاولة مراراً، وتغيير شكل المحاولات والاستفادة منها على طول الدرب. تقول: «تقدمت بـ 250 طلب عمل ولم أنجح، ثمّ غيرت الطريقة لدرجة أنني كنت أتواصل في بعض الأحيان مع الذين رفضوا طلبي وأسألهم عن سبب الرفض. لو أنني قلت أنّهم عنصريون واستسلمت لما وصلت».إنّ ما يجعل نسرين تطمئن للحياة في السويد، سواء أكان ذلك فيما يخصّ العنصرية أو المخاوف من السوسيال أو غيرها، أنّ السويد بلد قانون ويمكن عبر فهم آلية عمل هذا القانون وتطبيقه الحفاظ على حقوقك.يسعدني أن أقابل أشخاصاً يوازنون «حياة المهاجرين» في السويد في نظري ونظركم، ويبدو أنّ نسرين وتجربتها في السويد مثيرة للاهتمام لنسمعها ونحاول استخلاص العبر منها. أتمنى لنسرين أن تتمكن من الاستمرار في «حبّ» السويد، وأن تختبر فقط أفضل ما فيها.تنويه: المواد المنشورة في هذا القسم تنشرها هيئة تحرير منصة أكتر الإخبارية كما وردت إليها، دون تدخل منها - سوى بعض التصليحات اللغوية الضرورية- وهي لا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة أو سياستها التحريرية، ومسؤولية ما ورد فيها تعود على كاتبها.