كنت على وشك مقابلة فتاة ساخطة على السويد لدرجة أنّها انتقلت منها وقالت لي: «السويد مقبرة العقول العربية... انتقلت إلى ألمانيا وتركت السويد وتخلفها وعنجهيتها... لن أعود أبداً إلى السويد والحمد لله». جعلني هذا أستعين ببعض الأشخاص الذي قابلتهم من قبل لأفهم: هل السويد هي فعلاً «مقبرة العقل العقول العربية» أم أنّها «بلد الفرص» التي كان المهاجرون محظوظين بالقدوم إليها؟معاناةاذكر معاناة خالد أبو الرز في إيجاد عمل رغم مؤهلاته وخبراته الكثيرة. هل يمكن لخالد أن "يهاجر" من السويد إلى مكان آخر. في الحقيقة هذا ليس خياراً متاحاً له، فسنّه لم تعد تسمح له بالسفر بحثاً عن عمل، وهو مضطر "ليقتل وقته" وأيامه رغم رغبته بالعمل.هناك أيضاً عدنان الذي يضطر لاستخدام "المفاتيح" و"البهارات" كي يتمكن من العيش في السويد. اذكر كيف قال لي عدنان بأنّ الحرية في السويد كذبة، وأنّ المهاجرين يعيشون هذه الكذبة كي لا يضطروا لمواجهة المشاكل.لكن للحق ليس المهاجرون من الجيل الأول هم فقط من يعانون، فإذا أخذت مثال أنوار الصالح التي ولدت في السويد، فقد نالت نصيبها أيضاً من الإزعاجات سواء بسبب المضايقات التي تتعرض لها لأنّها محجبة، أو التحديات المفروضة عليها بسبب انتمائها أساساً لجيل الشباب.نجاحلكن لأكون منصفاً، فليس كلّ من قابلته يعاني في السويد، فالبعض يحقق نجاحات باهرة، ويعتبر السويد هي المكان الأمثل لتحقيق هذه النجاحات. مثالهم علاء الشوّا الذي تلقّى جائزة من ملك السويد شخصياً. فعلاء كان واضحاً حين قالي لي: «لا تعقدوا الأمور المهم هي الخطوة الأولى... والسويد بلد الفرص».كما أنّ البعض لم يحققوا النجاح فحسب، بل لم يضطروا حتّى لمواجهة مشاكل أثناء إيجادهم مكانهم. أليس هذا ما قاله مصطفى بدر الذي حصل على عمل دائم في السويد خلال 6 أشهر من وصوله؟ وقد فعل ذلك دون أن يكون لديه لا معارف ولا علاقات في السويد حتّى.ماذا عن محمد سويد الذي صنع لنفسه سمعة حسنة بين جميع مالكي كراجات السيارات بسبب خبرته في صيانة وإصلاح سيارات الهايبرد؟ هو نفسه يدرك أنّ لا مفرّ للمهاجرين غير النجاح والبقاء في السويد عندما قال: «إلى أين سنذهب؟ التضخم يضرب جميع الأماكن، وعلينا أن نحسبها زيادة عند التفكير بأيّ انتقال».لا يمكنني أن أجتزأ تجارب الناس كيفما أشاء، فالبعض تمكن من التأقلم والنجاح في السويد وهذه حقيقة يجب ذكرها.صعوبات ولكنالبعض لم يعتبر السويد جنّة، ولم يعتبرها نار. فالصعوبات التي واجهوها ويواجهونها جعلتهم ينظرون إلى السويد بتحفظ وأحياناً بعدم رضى كبير. لكنّهم تمكنوا من التأقلم وصنع نجاحات شخصية لهم.أماني دسوقي التي عانت من نظام العمل في السويد هي واحدة من الذين عانوا كثيراً بسبب نظام العمل في السويد، وهو غير المهيأ أحياناً لاستيعاب المهاجرين وأخذ ظروفهم الخاصة بالاعتبار، ولكنّها تمكنت في النهاية من إيجاد عمل مستقر ومناسب.ربّما غسان الحسين الفارس الذي أثبت بأنّه «ساحر» مع الخيول في السويد، والذي تعب وتعرّض لاستغلال كثير قبل أن يتمكن من امتلاك مزرعته وخيوله الخاصة يؤيّد أيضاً ما أقوله.في الختام، لم أتمكن من الخروج بجواب حاسم، فالبعض من الكثيرين الذين قابلتهم تمكن من إيجاد نفسه في السويد، والبعض الآخر لم يحالفه الحظ، والبقية قادرة على التأقلم لأنّ لا مكان آخر أفضل متاح.