هل العودة إلى أبنية الطين هي الحل؟… مروة دبايح من جامعة مالمو لديها الإجابة
أخبار-السويدAa
هل العودة إلى أبنية الطين هي الحل؟… مروة دبايح من جامعة مالمو لديها الإجابة
أذكر مرة في طفولتي في سورية الإقامة لمدّة وجيزة في "قبّة" مصنوعة من الطين (اللبْنْ في اللهجة العامية لبلاد الشام). كانت تلك تجربة أذكرها بنوع من الغرابة، وأحكيها بشيء من الإثارة. لكن لم أتوقع يوماً أن أقرأ عن مشروع أوروبي يحاول إعادة إنتاج هذه المنازل الطينية كحلٍ مناسب للبيئة. لهذا ومن أجل الوقوف على هذا التوجه وتفاصيله، تواصلتُ مع مروة دبايح Marwa Dabaieh، البروفسورة في جامعة مالمو، والمعمارية المتخصصة في العمارة المستدامة والواعية بيئياً، ورئيسة مشروع: «جدران الطين مع التعزيز الطبيعي المولد باللوغاريتمات ثلاثية الأبعاد AlgoLoam».
مشروع «جدران الطين مع التعزيز الطبيعي المولد باللوغاريتمات ثلاثية الأبعاد AlgoLoam» هو مشروع مبتكر يهدف إلى تطوير جدران خفيفة الوزن مصنوعة بالكامل من مواد طبيعية ومتجددة. حصل المشروع على تمويل بقيمة 50 مليون كرون لتطوير وصفة لمواد بناء صديقة للبيئة تؤثر بأقل قدر ممكن على البيئة. وقد شرحت البروفسورة دبايح بأنّ المشروع يهدف إلى إنشاء أول حل قابل للتحلل الحيوي بالكامل للجدران، باستخدام خليط من الطين والألياف الحيوية المتبقية، مما يعزز من ثبات الهيكل الطيني ويقلل من الحاجة إلى الصيانة.
تقوية الطين ومناسبته اقتصادياً
شرحت مروة في وقت سابق، وهي التي كانت أطروحتها حول البناء بالطين، بأنّ الشيء المميز في هذا المشروع هو «أننا سنقوم بتطوير تقوية ثلاثية الأبعاد للجدران الطينية حتى يكون الهيكل مستقراً. الطين ليس قوياً مثل المواد الأخرى، فهو قادر على تحمل الضغط compression وليس الإجهاد tension…ولذلك يجب تعزيز الطين لإطالة عمر المادة بأقل قدر من الصيانة... كما أنه يعطي مرونة أكبر من حيث الأشكال ويتم استخدام كمية أقل من الطين».
لكن ماذا عن الكفاءة الاقتصادية؟ في حين أن الفوائد البيئية لاستخدام المواد الطبيعية واضحة، فكيف ترى مروة حلول الطلب الاقتصادي لهذه المواد مقارنة بأساليب البناء التقليدية، وخاصة إذا ما تحدثنا عن المشاريع واسعة النطاق.
تدرك مروة بأنّ أمر الكفاءة الاقتصادية هو مصدر قلق شائع، لكنّها تدفع للنظر إلى النظر أبعد من التكاليف الأولية فقط، أي إلى قيمة هذه المواد المستقبلية بعيدة المدى. تشرح ذلك بالقول: «المواد التي يتم الحصول عليها من مصادر محلية هي في أغلب الأحيان أكثر كفاءة من حيث التكلفة. مع ذلك، قد تكون بعض المواد الطبيعية أكثر تكلفة في البداية، إلا أنها غالباً ما تقدّم وفورات كبيرة على مدى عمر المبنى بسبب انخفاض استهلاك الطاقة، وانخفاض تكاليف الصيانة، ودورات حياة المواد الأطول. على سبيل المثال، تتمتع مواد مثل الطين والقش والخيزران بخصائص حرارية ممتازة، مما يقلل من الحاجة إلى التدفئة والتبريد، وهي تكلفة كبيرة في المباني التقليدية».
كما تضيف البروفسورة دبايح أنّ على المسؤولين عن البناء أن ينظروا إلى عوامل مثل تكاليف النقل، وربّما الأهم الحاجة لدعم الاقتصاد المحلي. أمّا بخصوص المشاريع الكبيرة: «بالنسبة للمشاريع واسعة النطاق، يمكن تحقيق قابلية التوسع من خلال الجمع بين المواد الطبيعية وتقنيات البناء الحديثة، وتحسين كل من التكلفة والكفاءة. مع التخطيط والتصميم المناسبين، من الممكن تماماً إنشاء مشاريع واسعة النطاق مُجدية اقتصادياً وتلبي أيضاً أهداف الاستدامة».
الهوية الثقافية
تحدثت مروة في وقت سابق عن النهج الموحد «مقاس واحد يناسب الجميع» في البناء الحديث، وأنّه ليس بالأمر المنطقي. يجعلني هذا استحضر الهويات الثقافية المتنوعة للمناطق المختلفة، والتي تعبّر عن نفسها بشكل واضح عبر الأسلوب العمراني.
توافق مروة على أنّ أساليب البناء التقليدية والطبيعية تتأصّل بعمق في الهوية الثقافية والمعمارية للمناطق المختلفة. وترى بأنّنا عبر دمج هذه الأساليب نحافظ على هذا التراث الثقافي، وأيضاً نثري التنوع المعماري لبيئتنا المبنية: «كل منطقة لديها مواد وتقنيات وتصميمات فريدة تتكيف تماماً مع المناخات وأنماط الحياة المحلية». وكما قالت في مقابلة صحفية سابقة: «مافيش خامة طبيعية ربنا خلقها ما ينفعش ما نطوعهاش ونبني بيها».
تفهم مروة تماماً، وقد يكون ذلك جزء من أساسها كمعمارية، بأنّ الثقافة تتجسّد في العمران بشكل كبير، والخصوصيات تجد دوماً مكانها في البناء البشري. تقول: «إنّ دمج هذه الأساليب التقليدية في الهندسة المعمارية الحديثة يمكن أن يساعد في الحفاظ على تميز الهويات الإقليمية مع تعزيز الاستدامة أيضاً. على سبيل المثال، فإن استخدام الطوب اللبن في المناطق القاحلة أو الخيزران في المناطق الاستوائية ليس مناسباً ثقافياً فحسب، بل إنه سليم بيئياً أيضاً. يمكن تحديث هذه الممارسات بالتكنولوجيا الحديثة لتلبية معايير البناء الحالية، مما يضمن أنها ذات صلة ومرنة».
لا مساومة على المتانة
نظراً للتحديات المتعلقة بمتانة الطين والمواد الطبيعية الأخرى، كيف تخطط البروفسورة دبايح لتلبية التوقعات الحديثة لطول عمر البناء وسلامته، وخاصة في المناطق المعرضة لظروف الطقس القاسية؟
تضيء مروة هنا على مفهوم شائع خاطئ بأنّ المواد الطبيعية مثل الطين أقلّ متانة من غيرها (نتحدث هنا عن المتانة التي يمكن اختبارها في ظروف غير طبيعية مثل الزمن والزلازل وغيرها). ترى مروة بأنّ هذه المواد تكون مرنة بشكل لا يصدّق عند معالجتها واستخدامها بشكل صحيح. تشرح عن ذلك قائلة: «على سبيل المثال، يمكن تثبيت الطين بإضافات طبيعية مثل الجير أو دمجه مع ابتكارات حديثة مثل الجيوتكسيل لتعزيز قوته ومقاومته للماء. في المناطق المعرضة للطقس القاسي، يمكن أن يؤدي دمج المعرفة التقليدية مع الهندسة الحديثة إلى إنشاء هياكل آمنة ومتينة».
نظراً للحالات البيئية الشديدة التي تضرب أماكن مختلفة من العالم، مثالها الزلازل المستمرة في تركيا وسورية وبقية بلاد الشام، أو في المغرب العربي، أعطت البروفسورة دبايح مثالاً ممتازاً: «غالباً ما تتضمّن العمارة المحلية في المناطق المعرضة للزلازل مواد مرنة وخفيفة الوزن مثل الخيزران أو الخشب، والتي تعمل بشكل أفضل تحت الضغط الزلزالي من المواد الحديثة الصلبة. كما نأخذ في الاعتبار استراتيجيات التصميم السلبي التي تقلل من الضرر الناجم عن الطقس القاسي، مثل تصميم الأسقف والجدران لتحمل الأمطار الغزيرة أو الرياح العاتية».
التبني الصناعي للمواد
لا يمكن لأيّ حلّ مختبري، مهما كان ناجحاً، أن ينتشر دون تبني الشركات والمؤسسات الإنتاجية والصناعية المسؤولة له. لهذا يخطر لي ما هي العقبات الرئيسية التي تتوقعها البروفسورة دبايح في إقناع شركات البناء الكبرى بتبني هذه المواد والتقنيات المبتكرة؟ هل تعتقد أن هناك مساراً قابلاً للتطبيق لجعل موادها المطوّرة هي المعيار الجديد في الصناعة؟
تدرك مروة أنّ تبني الصناعة لموادها هي من أكبر التحديات القائمة على الدوام، خاصة أنّ هذه الشركات كما تقول، تفضّل الأساليب التقليدية الأكثر قابلية للتنبؤ وأسهل إدارة على نطاق واسع. كما تشرح مروة أنّ «هناك منحنى تعليمي مرتبط بالمواد والتقنيات الطبيعية، والذي يمكن أن يكون رادعاً للشركات التي تركز على الكفاءة وهامش الربح».
لكنّ مروة تراهن على الحاجة المتزايد في المجتمعات حول العالم لاعتماد ممارسات مستدامة، وأنّ التغييرات في القوانين قد تسهّل زيادة الطلب مدفوعة بالحاجة الملحة لمعالجة تغير المناخ. وتضيف: «من خلال إظهار الفوائد الاقتصادية والبيئية والاجتماعية للمواد الطبيعية من خلال المشاريع التجريبية الناجحة ودراسات الحالة والبحوث، يمكننا بناء قضية قوية لتبنيها… من خلال تزويد المهندسين المعماريين والمهندسين والبنائين بالمعرفة والمهارات اللازمة للعمل مع المواد الطبيعية، يمكننا أن نجعل هذه الأساليب أكثر انتشاراً».
في الختام…
لا أحد في عالم اليوم يمكنه إنكار السعي المجتمعي العالمي إلى إيجاد حلول مستدامة في جميع المجالات، والجمع بين الأساليب التراثية والحداثة العلمية هي أمر لابدّ منه، سواء في الزراعة أو البناء أو غيرها.
من هنا ربّما الختام الأفضل ما قالته مروة ذاتها: «في نهاية المطاف، الهدف هو الجمع بين أفضل ما في العالمين: الاستدامة والثراء الثقافي للمواد الطبيعية مع معايير المتانة والسلامة التي تتطلبها قواعد البناء الحديثة… وباختصار، في حين أن هناك تحديات يجب معالجتها، فإن دمج المواد الطبيعية والتقنيات التقليدية يوفر فوائد كبيرة تتوافق مع أهداف الاستدامة والحفاظ على الثقافة. ومع النهج الصحيح، يمكن بالفعل اعتماد هذه الممارسات على نطاق أوسع في الصناعة».