عروة درويش لصالح منصّة «أكتر»... إذاً تمكّن ماكرون من تحقيق الفوز في سباق الانتخابات الرئاسية الفرنسية. لكن بنسبة فوز 58.5٪، ويمين بات أقوى، وجزء كبير من الجمهور الذي انتخبه لا يؤيده، بل فعل ذلك خوفاً من وصول «اليمينية» لوبان، هل يمكن اعتبار فوزه فوزاً حقيقياً؟ وهل يمكنه أن يصمد في وجه ما هو قادم؟ بالنظر إلى التجارب الأوروبية الأخيرة، وجزء منها تجربتا الحكومتين السويديتين في العام الماضي، أشكّ بأنّ ماكرون سيتمكّن من إنهاء فترة ولايته. وإن تمكّن، فأشكّ بأنّه سيحقق أيّ شيء، وبالتحديد فيما يخصّ الحفاظ على مبادئ الديمقراطية اللليبرالية.FotoRafael Yaghobzadehقليلٌ من الأرقامإنّها المرّة الأولى في التاريخ المعاصر الذي يتمكن فيها «اليمين» الفرنسي من قطع عتبة 40٪ بحصد لوبان لنسبة 41.5٪ من الأصوات. حصلت لوبان في الانتخابات الماضية على 34٪، بينما لم يتمكن والدها الذي نافس جاك شيراك من الوصول إلى 20٪ من الأصوات.يعني هذا بوضوح بأنّ «اليمين» الفرنسي بات أقوى. بالمقابل إن نظرنا بعمق أكبر إلى الأرقام التي حاز عليها ماكرون، يمكننا أن نعرف بأنّ ناخبي ماكرون وتياره الديمقراطي الليبرالي، باتوا أضعف.ببساطة، لم يحصل ماكرون في الجولة الأولى إلّا على 27.85٪ من الأصوات، أيّ أنّ هناك 30.65٪ ممّن لم يكونوا يريدونه، قاموا بالتصويت له في الجولة الثانية. هذه النسبة من الأصوات هي أكبر من التي حاز عليها في الجولة الأولى حتّى!FotoRafael Yaghobzadehتخبّط ماعدا اليمينإنّ الشارع السياسي الفرنسي متخبّط لدرجة عدم تمكّن أحد من جذب الشارع بوعوده وخطاباته. حتّى اليسار الجذري الذي حلّ مرشحه في المرتبة الثالثة في الجولة الأولى من الانتخابات، رفض دعم لوبان، ولكنّه لم يتمكن من دعم ماكرون. يتوضّح لنا عدم التزام الناخبين بتوجيهاته من أنّ عدد المقترعين في الجولة الأولى هو ذاته تقريباً في الجولة الثانية.حتّى ماكرون نفسه يدرك بأنّه لم يفز إلّا لأنّ الناس كانت تخشى لوبان، وكان ذلك واضحاً عندما شكرهم «ليس لدعمهم أفكاري، بل لمنع أفكار اليمين المتطرّف».سترات صفر جديدة!باختصار، يمثّل ماكرون مؤيدي الاتحاد الأوروبي، والعقوبات على روسيا، والتقشّف ودعم الأعمال والمصارف...الخ. ماكرون هو فرخ صغيرة لما يسمّى بالديمقراطية الليبرالية، وهو لن يكون غير ذلك. وأثناء حملته الانتخابية لم تكن محاولات التودد إلى اليمين بعض الأحيان مثل موقفه من ضحايا الاستعمار الفرنسي للجزائر أو غيرها، سوى محاولات للاستفادة من العنصرية والشعور القومي المتنامي.لكن في ظلّ الأزمات القادمة، والعالم المتخلخل، هل يمكن لماكرون فعلاً الحفاظ على مصالح الفرنسيين العاديين؟ إن قامت موجة احتجاجات سترات صفراء كالتي قامت من قبل، أو ربّما أعنف هذه المرّة، وهو الأمر المتوقّع من الجميع، كيف سيتصرّف ماكرون؟ هل سيفيده إلغاء قرار ما هذه المرّة؟FotoRafael Yaghobzadehنحن نتحدّث هنا عن رئيس انتخبه الناس خوفاً من لوبان وليس لأنّ أفكاره وسياساته تعجبهم. قد ينقلب هؤلاء عليه على الفور، وقد يذهب بعضهم أو أغلبهم حتّى لدعم «اليمين» للتخلّص منه.بأيّ حال، ستكشف نتائج انتخابات الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) في يونيو/حزيران القادم عن الكثير في فرنسا، خاصة إذا ما تمكّن «اليمين»، وربّما اليسار الجذري أيضاً، من تحقيق انتصارات قد تفتح الأفق على كلّ شيء... لن أستغرب إن شهدنا حلّ الجمعية الوطنية من قبل الرئيس، ولن استغرب دعوة لاستفتاء لعزل الرئيس وإعادة الانتخابات... سيكون كلّ شيء مرهوناً بمدى تعمّق الأزمة في أوروبا وفرنسا.