اكتر-مقال رأي : تحتل السويد المراتب الأولى في العدالة وحقوق الإنسان وفقاً للعديد من المؤشرات، رغم ذلك اختارت قبل أربع سنوات منح اللاجئين الحق الأدنى من الحقوق. وبينما يعيش على امتداد مساحة تقارب الخمسمائة ألف كم مربع نحو عشرة ملايين نسمة قيل أنهم أحد أسعد شعوب العالم، ثمة بضعة آلاف آخرين حقوقهم منقوصة لأن سياسة الهجرة الجديدة ارتأت ألّا تمنحهم الإقامة الدائمة. عندما صدر قانون اللجوء المؤقت عام 2016، كتب ستة باحثين في الحقوق من جامعة يوتوبوري، "نحن ننظر بقلق عميق إلى مدى سهولة توافق السياسيين السويديين على سن قوانين تنتهك حقوق الإنسان. وقد أثبت التاريخ أن مثل هذه القوانين قد تفضي في نهاية المطاف إلى واقع لا وجود فيه للكرامة الإنسانية". الهجرة واليمين والأخطاء السياسية يبدو واضحاً أن النظام الاقتصادي الاجتماعي في جميع أنحاء العالم يواجه أزمة، مع تراجع دور الدولة في تقديم الخدمات الاجتماعية، وارتفاع البطالة وانخفاض الدخل. وفي مثل تلك الأزمات يطفو إلى السطح قضايا ثانوية، تصبح شماعة لتعليق أخطاء المنظومة السياسية. إحدى هذه القضايا هي سياسية الهجرة واللجوء. ولنا هنا أن نسأل، هل فعلاً ضاقت السويد اقتصادياً واجتماعياً وجغرافياً على أصحاب الإقامة المؤقتة؟ أم أن معاناتهم هي نتيجة التجاذبات السياسية، وأخطاء المنظومة، وتنامي التيار اليميني في السويد؟ في عام 2016 شهدت سياسة الهجرة تشديداً يُعتبر غير مسبوق، مع إصدار قانون جديد، يمنح طالبي اللجوء تصاريح إقامة مؤقتة بدلاً من الدائمة، ويحدّ من إمكانية لم شمل اللاجئين مع عائلاتهم. بعد أن وصل عدد المهاجرين إلى السويد في العام ذاته إلى 163 ألف مهاجر، وهو الأعلى على الإطلاق. وقد يتفهّم المرء ألّا تمنح مصلحة الهجرة حق اللجوء لشخص ما لعدم وجود المبررات الكافية وفقاً للقانون، لكن أن يحصل على حق اللجوء لفترة محدودة بسنة أو ثلاث سنوات، فهو أمر فيه الكثير من التعقيد. التناقض بين الإقامة المؤقتة وشروط الاستقرار وفقاً للقانون الجديد، يتم منح جميع الأشخاص ممن تم تقييمهم كلاجئين ابتداءً من 20 تموز 2016 تصريح إقامة مؤقت لمدة ثلاث سنوات، بينما يتم منح جميع الأشخاص ممن تم تقييمهم كمستحقين للحماية إقامة مؤقتة لمدة 13 شهراً. ومن الممكن تمديد تصريح الإقامة عند الحاجة، شرط التقدم قبل انتهائها والحصول على وظيفة أو عمل خاص. وأعطى القانون الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 17 إلى 24، ممن يدرسون في الثانوية، إمكانية تمديد تصريح الإقامة في بعض الحالات. شكَلت تفاصيل القانون الجديد عبئاً على اللاجئين الجدد في السويد، وأصبحت مصدر قلق وضغط نفسي. فمن حصل على حق اللجوء هو في الحقيقة، وباعتراف القانون، يواجه صعوبة العودة إلى موطنه الأصلي، سواء لأسباب خاصة أم عامة. وأن يكون المرء لاجئاً في بلد جديد، فهذا يعني أن عليه تعلم اللغة والدراسة والعمل والبحث عن سكن والاستقرار فيه، والتأقلم مع القوانين والمجتمع، وبناء علاقات جديدة ... فهل تكفي فترة 13 شهر أو حتى ثلاث سنوات، لتحقيق تلك الإنجازات؟ هذا عدا عن القلق الدائم بالترحيل، في حال صدرت تقييمات جديدة من مصلحة الهجرة، وهذا كله يعني العيش تحت ضغط القلق والمستقبل المجهول. وجه آخر للجوء: المنافع الاقتصادية عندما قدّمت الحكومة اقتراح القانون عام 2015، كان قد توافد عدد كبير من طالبي اللجوء إلى السويد بالمقارنة مع السنوات السابقة، وهو ما شكّل، وفقاً للبعض، ضغط كبير على بعض الوظائف الاجتماعية. بالمقابل تشير العديد من الدراسات إلى المنافع الاقتصادية التي منحها اللاجئين لدول الاتحاد الأوروبي، فهم لا يشكّلون فقط قوة عاملة، بل يلعبون دوراً هاماً في أكثر القطاعات حيوية. وبحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، يشكل المهاجرون الجدد نسبة 15 في المئة من المهن الأكثر نمواً في أوروبا، مثل الرعاية الصحية، والتكنولوجيا، والعلوم، والهندسات. ونسبة 24 في المئة، أي حوالي الربع، في القطاعات منخفضة العمالة، مثل الأعمال المهنية والحرف وتشغيل الآلات. بموجب القانون الجديد تم تكييف سياسة الهجرة السويدية مع الحد الأدنى من قوانين واتفاقيات الاتحاد الأوروبي المتعلقة باللاجئين، وقد سُمي بالمؤقت لأن مدته كانت محددة بسنتين، أي كان من المفترض أن ينتهي العمل به عام 2019، لكن جرى تمديده لعامين إضافيين، مع إجراء تعديل يعطي الحاصلين على الحماية البديلة الحق في لم الشمل. الضغط الشعبي والتأثير تعقد أحزاب البرلمان حالياً اجتماعات لمناقشة سياسة هجرة جديدة في البلاد، من المتوقع أن يتم الإعلان عن نقاطها النهائية في شهر آب المقبل. وبينما يطالب كل من حزب المحافظين والديمقراطي المسيحي وديمقراطيو السويد بتشديد الهجرة واللجوء في السويد، يسعى كل من حزب اليسار والبيئة نحو سياسة أكثر انفتاحاً، بالمقابل يتأرجح حزبي الاشتراكي الديمقراطي والوسط بين الاتجاهين. أما شعبياً، فقد انطلقت، على ضوء النقاشات السياسية الجارية، حملة هدفها تغيير سياسة الهجرة، ومنح عفو لجميع المتضررين من سياسة اللجوء الجديدة. في السويد التي اختارت في ثلاثينيات القرن العشرين تطبيق نظام الرفاه الاجتماعي، كمحصلة لنضالات العمال في تحصيل حقوقهم، تتحمل الدولة مسؤولية توفير الخدمات لمواطنيها على أساس تكافؤ الفرص والتوزيع العادل للثروة، وتكون فيها الحقوق المدنية مصحوبة بالحقوق السياسية، ما يعني أن الطريق لمحاصرة صعود أجندة اليمين والحفاظ على الأمن الاجتماعي، يكون عبر خلق حركات شعبية قادرة على التأثير، وعبر المشاركة في الحياة السياسية والضغط بأشكال مختلفة، وهو الطريق الذي أثبت فعّاليته عبر التاريخ. بقلم ديمة كتيلة/ صحفية ومترجمة