أخبار السويد
يعيش في البرية السويدية ويرفض العودة إلى لندن!
Aa
يعيش في البرية السويدية ويرفض العودة إلى لندن!
مقال بقلم: ديفيد كروش
عادةً ما نجد في غرف المعيشة والصالونات تمثال لفيل يبلغ ارتفاعه المترين، له أذنان غريبتان ووجه يشبه وجه شاةٍ مشوه. أما تماثيل الأيائل السويدية المتواضعة، تجدها مزاجية ومهيبة ورائعة، وهي الوحيدة التي تعد رمزاً جوهرياً يدل على الحياة السويدية.
ومع ذلك، فإن الأيائل مفقودة من القائمة الشاملة "لأكثر الأشياء السويدية الموجودة" والتي تم إرسالها إلى موقع The Local هذا الصيف. كيف يمكنكم، أيها القراء الأعزاء، حذف هذا الوحش المحبوب من قائمة سجلات الأشياء التي تتصف بها الحياة السويدية؟ ولماذا تم التغاضي عن الأيائل لصالح أشياء غير ذات أهمية مثل سكين زبدة خشبية وأكياس إيكيا الزرقاء وعرق السوس المالح؟
يؤلمني بصراحة أن أطرح هذا السؤال، وأتساءل في نفسي عما إذا كان هذا ما يُطلق عليه علماء النفس "العمى غير المقصود"، وهو عندما لا تستطيع استيعاب وجود الأشياء الجميلة أمامك. هل الأيائل بالنسبة لغير السويديين، هي تلك الغوريلا التي اشتُهرت بمشاهدة مجموعة من لاعبي كرة السلة دون أن يراها أحد؟ أكاد أجزم أن قلبي يقفز في كل مرة أرى الأيائل، فأنا أحبها حباً جمّاً. أحب عدم براعتها وركبها المتعرجة وحضورها الصامت المثقل بالحيوية. أستطيع تشبيهها بشخصية "بنجامين بوتن Benjamin Button" بالنسبة لعالم الحيوان، حيث تشبه الأيائل المولودة حديثاً، كبار السن المُرهقين.
استطاعت رحلة قصيرة بالسيارة، عندما جئت إلى هنا لأول مرة، أن تجعلني أتعب من كثرة بحثي عن الأيائل. فأنا أعيش في ضواحي يوتوبوري، إلا أن مشاهدة الحيوانات البرية لا يقتصر على الضواحي فقط. فقبل بضع سنوات في صباح أحد أيام نوفمبر/تشرين الثاني، كنت أقود الدراجة إلى العمل بالقرب من وسط المدينة عندما صادفت ثوراً ضخماً يهرول على الرصيف على الجانب الآخر من الطريق. وقد قمت بمطاردته لبضع دقائق عبر الشوارع الجانبية على بعد كيلومترين تقريباً من الجامعة.
تُعد السويد موطناً لأكبر عدد من الأيائل في أوروبا خارج روسيا برقم يُقدر بحوالي 340.000. في حين يُطلق الصيادون، في الريف، النار كل خريف على حوالي 80 ألفاً منها، فمن المرجح أن يمتلك السويديين بندقية في المنزل مثل امتلاكهم لآلة تقطيع الجبن. نحن لا نميل، في هذا المقال، إلى التفكير في أن السويديين من حملة السلاح، لكن يمكن اعتبار الصيد السنوي للأيائل مناسبة عامة وكبيرة لنحو ربع مليون من السكان المحليين، حيث يتم إغلاق المدارس والمكاتب، ويقوم سكان المدينة بحجز عطلات للعودة إلى قراهم الأصلية والمشاركة في الصيد.
تعتبر الأيائل مثالاً على أن الحياة البرية جزء لا يتجزأ من تجربة العيش في السويد، فالبلاد شاسعة، حيث إنك إذا قمت بالذهاب إلى أقصى نقطة في الجنوب، ستصل إلى روما. كما أن عدد السكان خارج المدن الرئيسية ضئيل، وما يقرب الـ 70% من مساحة سطح السويد عبارة عن غابات، في حين أن 3% فقط من المناطق، مأهولة بالسكان.
إن البلاد شاسعة وفارغة لدرجة أن رئيس الوزراء السابق فريدريك راينفيلدت Fredrik Reinfeldt، صرّح في رد فعل ساذج إلى حد ما على المشاعر المعادية للمهاجرين، أنه غالباً ما يذهب إلى الريف السويدي وينصح المزيد من الناس للقيام بذلك. فهناك حقول وغابات لا حصر لها ومساحات كبيرة جداً، مضيفاً أن على أولئك الذين يزعمون أن البلد ممتلئ، تحديد الأماكن الممتلئة فيه بالضبط".
وعلى الرغم من أن جزءاً كبيراً من الغابة يُدار تجارياً، إلا أن الحيوانات البرية دائماً ما تكون قريبة. فقبل عامين، قام رجل ينتظر في محطة للحافلات بالقرب من مستشفى يوتوبوري الشرقي بتصوير ذئب يهرول على طول الطريق. هذا وتشكل الهجرة السنوية لمئات الآلاف من طيور الكركيّ إلى هورنبورجاسجون مشهداً خلاباً. إضافة إلى وجود ما يقرب 3000 دب ناحية الشمال.
تم وصف هذا الجانب من الحياة السويدية بشكل جميل في كتابي المفضل الذي كتبه أندرو براون عام 2008 تحت عنوان "الصيد في المدينة الفاضلة: السويد والمستقبل الذي اختفى". فقد تبع براون صديقته إلى السويد في أوائل السبعينيات، ويقوم في كتابه بوصف السويد التي كانت مختلفة تماماً عن السويد التي نعرفها اليوم. ففي منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عاد براون إلى البلاد وقام باستكشافها ليصل إلى ما جعله يقع في حب السويد في المقام الأول ويعطينا لقطات حية للتغييرات التي حدثت.
تمتلك السويد 268000 بحيرة مذهلة، وبالنسبة لبراون، شكّل الصيد في البحيرات علاقته بالبلاد، فبدون امتلاك تصريح للعمل وإقامته في منزل والديّ صديقته في قرية صغيرة بالقرب من يوتوبوري، كان اصطياد سمك الـ (gädda) للغداء هو مساهمته الرئيسية في اقتصاد الأسرة. وبعد معاناته الطويلة ورحلات الصيد الكثيرة، كتب براون: "فقط في بحيرات الغابات القذرة في السويد تمكنت استعادة الشعور بأنني دخلت إلى عالم أفضل". فسواء كنت تختبرها من خلال الغطس في مياهها الصافية المظلمة أو من خلال اصطياد السمك، فإن البحيرة السويدية تعد تجربة بعيدة عن الراحة المرصوفة والرتيبة لحياة المدينة.
يوجد على بعد 30 دقيقة فقط من باب منزلي، بحيرة غارقة في صمت تام كما لو أنها في عالم آخر. تُعد هذه البحيرة موطناً لأزواج جميلة ومذهلة من الطيور الغواصة التي تصدر أصواتاً حزينة يتردد صداها فوق سطح الماء الثابت. هذا ويقول الدليل الرسمي للمنطقة أن الغابة المحيطة بها أيضاً تحوي طاحونةً خشبية، أُجهد أذني وأُقنع نفسي أنني أستطيع سماع صوتها المميز.
عندما أقف مكتوف الأيدي أتساءل عما إذا كان بإمكاني إعادة عائلتي إلى إنجلترا، يستوقفني إدراك أن هذه التجربة البرية هي التي وطّدت علاقتي بالبلاد. فالجوانب الأخرى للحياة لسويدية ممتعة جداً، إلا أن الحياة البرية والأيائل تسكنان أعماق قلبي.