أكترـ أخبار السويد (مقال رأي)قد يبدو لبعضنا «وأنا منهم» بأنّ مشاهدة السويدية الشقراء زارا لارسون ترقص بفستانها الجلدي الأسود القصير، أكثر إبهاجاً من مشاهدة «الكَيصر» عمر سليمان وهو يغني بكَلابيته الداكنة فوق مسرح جوائز نوبل للسلام في أوسلو. لكنّ الحقيقة أن من يشاركني الرأي لا يتعدون 180 ألف، بينما من يفضّل فيديو الكَيصر يجاوزون 14 مليون و228 ألف متابع.الأول أم لا؟في 2013، وقع الاختيار على المغني عمر سليمان كي يؤدي في مهرجان جوائز نوبل للسلام في أوسلو النرويجية، ومنذ ذلك الوقت وحتّى يومنا هذا وصدى مشاركة «الكَيصر» لم تمت، لتصل بإحدى الإحصاءات غير الرسمية للقول بأنّ فيديو أداءه هو الأكثر مشاهدة في تاريخ الجائزة.في 2013، وقع الاختيار على المغني عمر سليمان كي يؤدي في مهرجان جوائز نوبل للسلام في أوسلو النرويجية،كي نقف على حقيقة هذه الإحصاءات غير الرسمية، لنقم وإياكم بمقارنة سريعة بين فيديوهات الكَيصر وفيديوهات بعض المشاهير عالمياً، باستخدام مشاهدات يوتيوب فقط كنموذج:جيمس بلونت64,454,466أورورا18,227,984ستيفن تايلور ونونو وبيتنكورت14,721,986الكَيصر عمر سليمان14,228,035أوستد علي خان11,080,953مو10,210,498ماتي وكايغو7,930,266لوكاس غراهام4,194,257كيرت نيلسون وكايغو3,951,844سيل3,515,569هالسي 2,139,123كوين لطيفة1,553,382كولبي كايلات849,306جيسون ديرولو795,683سيغريد731,764باري مانيلو210,111هاي ستيك181,897ماركوس ومارتينوس156,393ماتوما وبيكي هيل140,820جون ليجند118,233ستينغ71,309إذاً الكَيصر ليس في المرتبة الأولى كما اتضح لنا. لكن بربكم، لو كنتُ مكان عمر سليمان لسعدتُ بأن أُهزم من هؤلاء. إنّهم: جيمس بلونت: أعرف أشخاصاً لا ينامون دون أن يكون صوته في آذانهم والدموع تغرغر من عيونهم.أو أورورا: هي تحديداً لسعدت بالهزيمة أمامها، خاصة إذا ما كانت ستعبر بسعادتها عبر رقصات يديها التي تجسّد الطبيعة والأمواج النرويجية وسيتسنى لي مشاهدتها.أمّا ستيفن تايلر: ربّاه، لقد ارتبط اسمه بنمط موسيقي جديد منذ التسعينيات مع فرقته Aerosmith. كما يكفيه أنّه والد ليف تايلر لأدعه يفوز دون منافسة «بطلة سلسلة أفلام سيّد الخواتم لمن اختلط عليه الاسم».ما رأيكم الآن أن نتعرّف على بعض محطات مسيرة عمر سليمان؟عمر سليمان في سطوركان عمر سليمان نصف فلاح، ونصف مطرب أعراس في قريته تل تمر في الحسكة في شمال شرق سورية. ومثله مثل جميع مطربي المنطقة، ليس لأغانيهم الشعبية طابع واحد، فجميع مكونات المنطقة الموسيقية تندمج معاً – ومعها الأورغ في الخلفية بالتأكيد – لتحمل الحضور على الدبكة والاحتفال.ومنذ 1994 وعمر سليمان يغني بشكل شبه احترافي مع شركات الإنتاج المشهورة بتسجيل الأغاني وبيعها على بسطات وأكشاك الكاسيتات. لا بدّ وأنّ البعض يتذكر أغنية «خطّابة خطّابة». أكاد أجزم بأنّي سمعتها في سورية آلاف المرات وأنا أتنقّل بالسرفيس من مكان لآخر.ثمّ في 2011، وبعد أن خرج عمر سليمان إلى تركيا بسبب الحرب في سورية، بدأ يظهر في الاحتفالات العالمية، مثل احتفالية غلاتسبوري البريطانية، واحتفالية «Chaos in Tejas» في تكساس الأمريكية، وبعدها في «Paredes de Coura» في البرتغال، لينهي عام 2011 في الظهور في احتفال «كابوس ما قبل الكريسماس» في إنكلترا.لكن رغم أنّ سليمان كان قد شارك قبل 2011 في عدد من الاحتفالات الغربية، مثل أداءه أغنية «حرام» في بروكلين في 2010، إلّا أنّ عام 2011 هو الذي أطلق مسيرة الكَيصر العالمية بالشكل الذي نعرفه. وفي 2011 أيضاً سجّل مع الفنانة الأيسلندية الشهيرة «بيورك» أغنية Crystalline التي – برأيي المتواضع – هي جميلة بحق بمزجها بين «جتّك جتّك» و «البزق الشرقي» وصوت بيورك المميّز.وفي 2013 أصدرت شركة «دومينو للتسجيلات» البريطانية، أغنية لعمر سليمان بعنوان «وينو وينو»، لتبدأ بعدها كلمات «ما خلاني شيّب» تنتشر وتوزع على النمط الموسيقي الغربي.كان عمر سليمان نصف فلاح، ونصف مطرب أعراس السويد ترفض إدخالهفي آب 2013 كان من المقرر أن يغني الكَيصر في احتفالية «ًWay Out West» في يوتوبوري، لكنّ السلطات السويدية رفضت أن تمنح عمر سليمان تأشيرة دخول خشية من أن يطلب اللجوء في السويد. لكن في النهاية، تمّ منحه تأشيرة الدخول قبل يومين من الاحتفال، ليمضي في شهر كانون الثاني إلى أوسلو ويغني في احتفالية جوائز نوبل للسلام.استمرّ الكَيصر بعدها بالبروز حيث أدّى، وخلفه الأورغ، في إنكلترا والولايات المتحدة والدنمارك وتركيا وبلجيكا وإيرلندا، وحتّى في احتفالية برمنغهام البريطانية الشهيرة للجاز والفونك.السويد ترفض إدخالهفن أم «مسخرة»؟أذكر عندما امتلأت صفحات الإعلام والإعلام الاجتماعي، على إثر مشاركة عمر سليمان في أوسلو، بالتحليلات والآراء. كان البعض يرى في الأمر «مسخرة»، والآخر مضى إلى أنّها «مؤامرة» تستهدف الفنّ العربي والشرقي عموماً، بمحاولة لإظهاره ممثلاً بعمر سليمان.بينما دافع البعض الآخر عن اختيار «سليمان» بوصفه تجسيداً للذوق الفني للشارع، وبأنّ محاولة فرض معايير على الشارع، تشبه محاولة قمعية لتأطير الذوق الفني بإطار جامد.دافع البعض الآخر عن اختيار «سليمان» بوصفه تجسيداً للذوق الفني للشارع،في الحقيقة، لا يمكنني أن أقف إلى جانب صفّ هنا. فإذا ما نظرنا إلى المشهد الموسيقي العالمي، فلماذا يكون «إيمنيم» أو «سويدش مافيا هاوس»، أو «زارا لارسون» أو «كايغي» أو «ماتوما» تعبيرات وتجسيدات فنية، بينما عمر سليمان لا؟لكن من ناحية أخرى، هل يمكن لنا أن نثق بأن عمر سليمان «ليس كشخص فقط، بل كتيار فني إذا ما جاز التعبير» سيصدّر «ثقافتنا الشرقية الفنيّة» إلى العالم، أو هل يمكننا الوثوق بقدراته على ذلك؟ فن أم «مسخرة»؟في الحقيقة أشكّ بأنّ لهذا التيار الفني القدرة على اختزال «شرقنا» لنحمله معنا إلى «الغرب»، ولكن أشكّ أيضاً في قدرة عروة صالح «كمثال على تيار فني أيضاً وليس بصفته الشخصية» أن يسمح لنا بحزم كامل «شرقنا» في حقيبتنا التي نحملها إلى «الغرب».لكن لنكن واقعيين، لسنا نحن، ولا غيرنا من شعوب وأعراق العالم، من يتخذ قرار مباشراً في هذه المجالات الفنية، فهناك عوامل أكبر وأكثر أهميّة مثل أرباح الشركات الموزعة، وقدرة شركات العلاقات العامة على تسويق من يدفع لها، بل وحتّى الاعتبارات السياسية المباشرة تلعب دوراً هنا.في النهاية، ربّما علينا أن نبذل جهداً أكبر في أن نقيّم الأشياء التي تمثلننا ثقافياً وتعبر عنّا وجدانياً، فنحن أحياء، وموسيقانا وفننا واحتفالاتنا وطعامنا وكلّ وجداننا أشياء حيّة مثلنا، وليس لأحد اختزال «الفن» ووضع أطر له.