"مبدأ الحياة الطبيعية" ومبادئ نظام العدالة الجنائية في النرويجيختلف نظام العدالة الجنائية في النرويج عن الدول الأخرى بشكلٍ جذري، فوفقاً لما صرّحت به الخبيرة كاتيا فرانكو Katja Franko، الأستاذة في قسم علم الجريمة وعلم اجتماع القانون بجامعة أوسلو لموقع The Local "إن فلسفة النظام، وخاصة نظام السجون، تركز بشكل كبير على إعادة التأهيل"، إذ تُعتبر مساعدة الجناة على الاندماج مرة أخرى في المجتمع بدلاً من مجرد معاقبتهم هو المبدأ الرئيسي الذي يقوم على أساسه نظام العدالة الجنائية والسجون في النرويج. وبحسب ما أضافته فرانكو فإنه "من المحتمل أن يكون لإعادة التأهيل مكانة أقوى في النرويج منها في معظم الدول الأوروبية، وخاصة المملكة المتحدة"، حيث يُعتبر الدخول إلى السجن في النرويج عقوبةً كافية على الجرائم المرتكبة.وتلخص مديرية الإصلاحيات النرويجية اعتقادها الأساسي بقولها إن "العقوبة هي مجرد تقييد للحرية؛ ولم يتم إزالة أي حقوق أخرى من قبل المحكمة التي أصدرت الحكم. لذلك فإن الجاني المحكوم عليه يتمتع بنفس الحقوق التي يتمتع بها جميع الأشخاص الآخرين الذين يعيشون في النرويج، إذ لا يجوز لأحد أن يقضي عقوبته في ظل ظروف أكثر صرامة مما هو ضروري بغرض الحفاظ على الأمن في المجتمع ".هذا ويُشار إلى هذا الملخّص بـ"مبدأ الحياة الطبيعية" وهو المبدأ الأساسي لنظام العدالة النرويجي. فحسبما قالته ماريان فولان Marianne Vollan، المديرة العامة لدائرة الإصلاح النرويجية للعدل، لصحيفة Trends إن "هذا المبدأ له جانبان على الأقل: أحدهما، وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة لنا، ينص على أن الشخص المحكوم عليه ما يزال مواطناً، في حين ينص الجزء الآخر على أن الحياة، أثناء تنفيذ الأحكام، يجب أن تكون مشابهة قدر الإمكان للحياة دون عقوبة، لذلك، عندما نتحدث عن السجون، يجب أن نحاول جعل الحياة اليومية والروتينية فيها، مماثلة للحياة في الخارج قدر الإمكان".لا ينتهي الأمر بالجميع في السجن في النرويج بعد إدانتهم بارتكاب جرائم، ولكن إذا حدث هذا، فمن المحتمل أن يكون ذلك لفترة زمنية أقصر من تلك التي تتعلق بالجرائم المماثلة في البلدان الأخرى. وفي هذا الصدد، قامت السلطات النرويجية باستخدام المراقبة الإلكترونية (EM)، ما يعني أنه يمكن قضاء فترة العقوبة في المنزل. قالت روز بويل Rose Boyle، طالبة الدكتوراه في قسم جامعة أوسلو لعلم الإجرام وعلم اجتماع القانون إنه وبدون إصدار تعميمات قوية، يمكن تلخيص الاختلافات المهمة التي تفصل أنظمة العقوبات في النرويج عن أنظمة العقوبات الأخرى، مثل الولايات المتحدة، بأنها أقصر ومتنوعة بشكل عام. كيف هو الحال إذاً داخل السجون النرويجية؟كثيراً ما يتم وصف السجون الاسكندنافية بأنها أكثر "إنسانية" ورفاهية من السجون في أماكن أخرى. وهذا صحيح بشكل خاص في النرويج، حيث يُنظر إلى السجون في النرويج على أنها مرافق إعادة تأهيل أكثر من كونها مراكز احتجاز، حيث يتعين على الضباط الذين يعتنون بالنزلاء في السجن إكمال برنامج تدريبي لمدة عامين، يدرسون فيه مواضيع مختلفة مثل علم النفس وعلم الجريمة والقانون وحقوق الإنسان والأخلاق. إضافة إلى أن الضباط العاملون داخل جدران السجن غير مسلحين ونصف طاقم العمل تقريبا من النساء.وفي هذا السياق، قال حاكم سجن يُدعى أري هيدال Are Høidal لهيئة الإذاعة البريطانية BBC، إن "الحراس والسجناء يقومون بالأنشطة معاً طوال الوقت، فهم يأكلون ويلعبون الكرة الطائرة ويمارسون أنشطة ترفيهية معاً، الأمر الذي يسمح لنا بالتفاعل حقاً مع السجناء والتحدث معهم وتحفيزهم، فهم أخطأوا، ولا بد من معاقبتهم، لكنهم ما زالوا بشراً".هذا ويتمتع النزلاء في النرويج، أثناء وجودهم في السجن، بخيار مواصلة تعليمهم والتعلم في ورش العمل والدورات التي يديرها معلمون. كما يتم تطبيق خدمات الرعاية المقدمة في السجن مثل التعليم المستمر والرعاية الصحية من خلال نظام التأمين الوطني النرويجي لضمان حصول السجناء على نفس المستوى من الجودة والوصول إلى المزايا نفسها التي وصل إليها نظرائهم خارج السجن. من المهم ملاحظة أن قضاء فترة العقوبة بهذه الطريقة مجرد خيار، حيث يختار بعض السجناء قضاء وقتهم بطريقة أكثر عزلة.وفي هذا السياق، أضافت بويل، طالبة الدكتوراه في علم الإجرام أن "الحياة اليومية في السجن مصممة لتعكس، بشكل مثالي، الحياة خارجه، قدر الإمكان، إذ يُتوقع من السجناء العمل والالتحاق بالتعليم والتسجيل في مجموعة متنوعة من البرامج والحصول على الخدمات الصحية، إضافة إلى تمكنهم من التصويت في الانتخابات، فهم يتمتعون بنفس الحقوق والمسؤوليات التي يتمتع بها المواطنون الآخرون".هل يمكن اعتبار مبدأ "الحياة الطبيعية" فعالاً؟لا تقوم النرويج ببذل كل هذا الجهد والتكلفة دون جدوى، إذ إن الهدف العام من "مبدأ الحياة الطبيعية" والسعي إلى إعادة التأهيل، هو تقليل معدلات معاودة الإجرام وإبقاء النزلاء السابقين خارج السجن. وحسب ما أضافته مديرة الإصلاح فولان لصحيفة Justice Trends، أن "هذا كله جزء من مهمتنا الرئيسية وليس نهجاً ساذجاً، فنحن نعرف الأشخاص الذين نتعامل معهم، لسنا هنا فقط لتنفيذ أوامر الحبس الاحتياطي والأحكام ولكن أيضاً للقيام بذلك بطريقة يمكن أن تمنع العودة إلى الإجرام".من الجدير بالذكر، أن هناك إحصائيات تشير إلى أن الجهد الذي تبذله النرويج في هذا الصدد يؤتي ثماره. فوفقاً لما ورد عن هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) في عام 2019، بلغت معدلات إعادة الإجرام في المملكة المتحدة حوالي 50% بعد عام واحد فقط، في حين بلغت في الولايات المتحدة الـ 70%، وسجلت في النرويج معدلات وصلت إلى الـ20 % فقط. هذا ومن المرجح أن يتجنب المدانون السابقون العودة إلى السجن في النرويج، ولكن هذا لا يعني أن الحياة بعد قضاء فترة طويلة خلف القضبان سهلة بالنسبة لهم. فربما يكون هناك تركيز أقل في الخطاب العام على الأخطار التي يمثلها السجناء السابقون على المجتمع. ومع ذلك، لا يزال الاندماج في المجتمع مرة أخرى صعباً بالنسبة لمعظم الناس. فكما قالت خبيرة علم الجريمة بجامعة أوسلو، فرانكو إنه "يترتب على الكثيرين من المُدانين السابقين ديون يتعين عليهم سدادها للدولة، الأمر الذي يمثل عقبة كبيرة في عملية إعادة اندماجهم". ففي ظل الضغوط الاقتصادية الراهنة، يترتب على ثمانية من كل عشرة نزلاء ديون كبيرة تشمل المطالبات غير المسددة والغرامات والقروض الاستهلاكية العالية وديون بطاقات الائتمان.وبهذا، تجدر الإشارة إلى أن إعادة الاندماج ليست دائماً الغاية النهائية، حيث أشارت فرانكو إلى أنه" لا يمكن اتباع الفلسفة ذاتها مع الأجانب من الجُناة الذين تقدر نسبتهم في السجون بـنحو30%، حيث ينصب التركيز في هذه الحال على إخراجهم من البلاد بعد قضاء فترة عقوبتهم، بدلاً من إعادة دمجهم في المجتمع".آراء مختلفةإن نظام العقوبات النرويجي غير معتمد عالمياً، الأمر الذي قالت فيه بويل من جامعة أوسلو إن مدى وجود هذه "الاستثنائية الاسكندنافية" في الواقع وما يفصل أنظمة السجون في بلدان الشمال الأوروبي عن مناطق أخرى من العالم يّشكل موضع نقاش مستمر بين علماء السجون"، حيث يعتقد الكثيرون في النرويج أن النظام مريح للغاية ويتسامح مع مرتكبي الجرائم الخطيرة مثل العنف، في حين يفخر آخرون بالجهود المبذولة لضمان قضاء فترة سجنٍ إنسانية، ويعتقدون أن هذا سبب رئيسي لانخفاض معدلات الجريمة في النرويج.هذا ويعتبر تناول موضوع نظام العدالة الجنائية في المحادثات الغير رسمية أمراً مقبولاً اجتماعياً فوفقاً لفرانكو: "لا تُعد قضايا العدالة الجنائية محل نقاش ساخن في وسائل الإعلام كما هو الحال في بعض البلدان الأخرى، أو مثل قضايا الهجرة، إذ يبدو أن هناك اتفاق عام في البلاد فيما يتعلق بهذا الأمر".معدلات السجون والأحكامسجّل عام 2020، ما مجموعه 2653 سجيناً في النرويج مع معدل إشغال رسمي بلغ 76%. فهناك 58 سجناً إجمالاً بنسبة 0.3% فقط من السجناء الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً. هذا وقد سجّل معدل السجن انخفاضاً في جميع أنحاء أوروبا منذ عام 2013، في حين تتمتع النرويج بواحد من أدنى معدلات السجن في جميع أنحاء أوروبا إلى جانب فنلندا وهولندا وأيسلندا.ومع ذلك، فإن النرويج لديها عدد أكبر من حالات السجن بالنسبة للسكان مقارنة ببلدان الشمال الأوروبي الأخرى، ويرجع هذا في جزء كبير منه إلى القوانين الأكثر صرامة فيما يتعلق بتعاطي المخدرات المحظورة.تصل عقوبة السجن في حدّها الأقصى في النرويج إلى 21 عاماً، على الرغم من أن قانون العقوبات الجديد ينص على عقوبة قصوى تبلغ الـ 30 عاماً للجرائم المتعلقة بالإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب. في حين تعتبر عقوبة السجن المؤبد أو "الاحتجاز الخاص" لأجل غير مسمى أشد عقوبة في النرويج، والتي يمكن تمديدها بعد النطق بالحكم، في حين يتم استخدام هذا الحكم على الأفراد المدانين بجرائم خطيرة والذين يشكلون خطراً على المجتمع. هذا ويصل متوسط عقوبة السجن في النرويج إلى حوالي الـ 8 أشهر، في حين يقضي ما يقرب الـ 90% من السجناء أقل من عام في السجن.