أخبار السويد

التغطية الإعلامية لحرق القرآن في السويد.. بحاجة "جسر" أفكار بين السويد والعالم العربي

التغطية الإعلامية لحرق القرآن في السويد.. بحاجة "جسر" أفكار بين السويد والعالم العربي
 image

عروة درويش

أخر تحديث

Aa

حرق القرآن في السويد

التغطية الإعلامية لحرق القرآن في السويد.. بحاجة "جسر" أفكار بين السويد والعالم العربي

"السويد تُحرق القرآن"، و "السويد تسمح بحرق القرآن"، و"السويد تدافع عن حرية التعبير" و"الدفاع عن الحرية في وجه المتطرفين". هذه مجرّد فحوى لعناوين أخبار عربية وسويدية تغطي قيام شخص واحد بحرق القرآن في السويد. سنتعرّف معكم في هذا المقال على أبرز جوانب تغطية هذا الخبر وتحليله، لنفهم الطريقة التي تحوّلت بها السويد من "منارة السلام والتطور" والترحيب بالمهاجرين في العالم، إلى كونها واحدة من الدول التي ينادي المسلمون حول العالم بالردّ عليها ومقاطعة منتجاتها.

المنهجية

استخدمنا في متابعة التغطية العربية والسويدية عبر هذه الوسائل منهجيتين متداخلتين: الذكاء الاصطناعي، والمراقبة البشرية. كانت مهمّة الذكاء الاصطناعي هي جمع العناوين التي تتحدث عن حرق القرآن في السويد خلال فترة ذروة التغطية، وكانت مهمّة المراقبة البشرية هي تحليل هذه العناوين، وجزء كبير من محتواها المرئي والمقروء.

من أجل أخذ صورة عامة عن شكل التغطية العربية لحدث حرق القرآن في السويد، اعتمدنا ثلاث قنوات إخبارية عربية مع مواقعها الإلكترونية بوصفها هي الأكبر والأكثر متابعة في العالم العربي: الجزيرة، والعربية، والميادين. تواصلنا مع كلّ من هذه القنوات من أجل إشراكهم وأخذ رأيهم المباشر فيما وصلنا إليه، ولكن لمن نتلقَ من أيّ منهم أجوبة حتّى تاريخ إعداد هذا المقال.

تغطية الإعلام العربي

إنّ النتيجة التي توصّلنا إليها هي أنّ التغطية عموماً، ورغم اختلاف طريقة تقديمها بشكل كبير، هي إلقاء اللوم على الشرطة والحكومة السويدية للسماح بحرق القرآن، سواء بشكل مباشرة أو بالإشارة إلى ذلك ضمنياً "تفوق النتيجة 77٪ من العينات المدروسة"، وفي بعض الأحيان إيراد أقوال وتعليقات ليست بالضرورة صحيحة. ورغم أنّ جميع التعليقات والمعلومات غير الصحيحة وردت على لسان اقتباسات، فنحن نرى أنّ من واجب القناة التي نقلتها أن تتأكّد ولو بشكل سريع من حقيقة ما تنقله وإلّا فلتتحمّل مسؤولية النقل الخاطئ.

لسنا وحدنا من انتبهنا إلى الأخطاء. كمثال كتب سعيد النحال، الصحفي السوري الذي يعمل في صحيفة داغنز نيهيتر السويدية، مؤخراً: "أنّ قناة الجزيرة القطرية قالت في تغطيتها أن ١٥٠ جنديا (١٥٠ شرطيا في مناسبات أخرى) تكفلوا بحماية سلوان موميكا عندما حرق القرآن خارج البرلمان السويدي في ستوكهولم أواسط آب الماضي. ولكن الحقيقة أن العدد كان نحو ٢٠ شرطيا حسب مراسلي الجريدة التي يعمل بها النحال الذين غطوا الحدث وقتها. حارق القرآن غادر المكان بصحبة سيارتي شرطة أو ثلاث. ولم يكن العدد ٢٠ سيارة، نصفها مصفح، كما ذكرت الجزيرة". وكما قال سعيد نفسه لأكتر عندما سألناه عن رأيه: "التغطية لم تكن حيادية تماماً، ولا حتى دقيقة في بعض الأحيان… في بعض الأخبار التي نشرتها وسائل الإعلام الكبرى كالجزيرة والعربية وردت أخطاء ومبالغات تتعلق بالأحداث نفسها، وبموقف الحكومة السويدية من حرق الكتب المقدسة".

غياب الخبير السويدي

الأمر الآخر شديد الأهمية الذي شهدناه في التغطية العربية: غياب "الخبير" السويدي أو العربي الذي يعيش في السويد، أو في حالات قليلة نقل آراءه بشكل غير مترابط ولا يكفي لشرح ما يحدث "أقلّ من 17٪ من العينات المدروسة". 

المشكلة الأكبر التي خلصنا إليها من خلال تحليلنا أنّ الجمهور المتلقي للخبر في العالم العربي لم يتمكن من خلال هذه التغطية من فهم أيّ شيء عن البنية التي تحكم السويد، والتي أدّت للسماح بحرق القرآن.

وكما أخبرنا أحد الصحفيين العرب في السويد، الذي فضّل عدم إيراد اسمه كمشارك في مقالنا: "أفهم أن يتصرّف شخص عادي بردّات الفعل، ولكن ألا يقوم صحفي بفهم الموضوع وقوانين السويد غير مقبول. فالصحفي رأى الشرطة تحمي حرق القرآن، لكن ألم يرَ الشرطي نفسه وهو يحمل سلاحه ويحمي المصلين في صلاة العيد".

تغطية الإعلام السويدي

بعد الانتهاء من تحليل تغطية الحدث في وسائل الإعلام العربية، علينا النظر إلى وسائل الإعلام السويدية الكبرى. باختصار، توصلنا إلى نتيجة معقدة ومركبة، ولكن يمكن إجمالها في جملة شهيرة: "كمن يغطي رأسه بالرمل".

المشكلة الأكبر في تغطية الإعلام السويدي للحدث أنّها كما يمكن أن نقول "جامدة" وشديدة "السويدية"، وذلك على الرغم من أنّ بعضها قد أعدّه وقام عليه مهاجرون، وبعضهم من ذوي أصول عربية ومسلمة.

والآن علينا أن نشرح التركيب في هذه التغطية الإعلامية قليلاً: الإعلام السويدي كان حيادياً في تغطية الأحداث "أكثر من اللازم" في بعض الأحيان! وأقصد "بأكثر من اللازم" بأنّه لم يحاول (باستثناء محاولات فردية) أن يفهم عند تغطيته وجهة نظر الغاضبين، ولم يحاول أن يُفهمهم وجهة نظره بطرق إعلامية مبتكرة.

حيادية "أكثر من اللازم"

كي أشرح مقصدي ببساطة سأعطيكم مثالاً: إن أزلنا ما يشير إلى أنّ وسيلة الإعلام التي تغطي الحدث سويدية، فلن نتمكن من تمييزها عن الفنلندية والنرويجية والدنماركية. قد يرى البعض بأنّ هذا جيّد ويترك مسافة بين الوسيلة الإعلامية والحدث، ولكنني أرى بأنّ هذا يجعل الوسيلة الإعلامية التي تنقل الحدث "متقاعسة" عن واجبها. فإن لم تكن وسيلة الإعلام السويدية هي التي ستشرح القانون وخلفياته، وأدوار الشرطة والقضاء والسياسيين المنفصلة، وتسعى للتواصل مع الإعلاميين والسياسيين العرب والمسلمين من أجل إفهامهم فحوى هذه القوانين من أجل التأثير في الجمهور العربي، فمن سيفعل ذلك؟

الصحافة السويدية لم تستوعب سبب غضب الجماهير المسلمة، فبالنسبة لهم الموضوع "قانوني" وخاص "بالقانون" السويدي. ليس المطلوب من الإعلام السويدي أن يغيّر رأي الناس ولا أن يحاول إقناعهم بقبول القانون السويدي، بل المطلوب أن يشرح لهم بنية السلطات والقانون الذي يحكمها. إن لم يفعل ذلك، فهو ينقل الأخبار بنوع من الفوقية والانعزالية.

هذا ما أرمي إليه عندما أقول بأنّ الإعلام السويدي مارس "حيادية سلبية"، وليست هذه التسمية على سبيل "السفسطة اللفظية" بل هي مؤشّر مفيد لمن يريد التعلّم من أخطاء التغطية الحاضرة.

في الختام..

لا يمكن لأحد الادعاء بأنّه "رأس الحكمة" في وسائل التغطية، ولكن يمكنني الادعاء دون أن أبدو كمن يعطي المحاضرات، بأنّ التغطية الإعلامية لحدث حرق القرآن في السويد كان يجب أن تتمّ بوسائل أكثر عصرية من التي شهدناها، وبالتأكيد لا أقصد الجانب التكنولوجي بالعصرية.

إذا ما نظرنا عن قرب، فقد حاز محرق القرآن على التغطية الإعلامية التي يبتغيها من عمله، بينما تلوّثت سمعة السويد في الخارج. ليست هذه المرة الأولى التي تتعرّض فيها السويد لهذا النوع من التغطية السلبية، والتي يستفيد منها "المتطرفون" في السويد وخارجها، فقضيّة السوسيال و"خطف الأطفال" تمّ التعامل معها بالطريقة ذاتها. كان الأمر - بكل بساطة - يحتاج إلى وسيلة إعلام تلعب دور "الجسر" الذي يسمح للأفكار المعبّرة عن ثقافة السويد بالعبور إلى عقل العرب والمسلمين، ويفتح ممر جديد يسمح للأفكار المعبّرة عن ثقافة هؤلاء بالتشرّب داخل عقل السويديين. 

بدون هذا، سيكون الإعلام مجرّد "راوي قصص" لا يختلف عمّن يتلو "فرمان الأمير".

شرح منهجيّة البحث

تمّ استخدام وسيلة الذكاء الاصطناعي "ChatGPT-4" مع Plug-in خاص بالبحث على محتوى الصفحات على الإنترنت "WebPilot"، وتحديد فترة البحث عند وضع رابط المواقع الخاصة بوسائل الإعلام ما بين بداية شهر يونيو وحتى نهاية شهر أغسطس.

قام كادر أكتر بعد ذلك باختيار عناوين التحليل وفق المبدأ الإحصائي "العينات العشوائية البسيطة" لمحاولة الوصول إلى نمط دلالي على السياسة التحريرية المعتمدة بخصوص هذه القضيّة لدى وسائل الإعلام التي وقع الاختيار عليها. ومن الملاحظ - كما تمّت الإشارة في المقال - أنّ طريقة العرض الشكلي تختلف كثيراً بين وسيلة إعلامية وأخرى، ولكن لأغراض الوصول إلى خلاصة عامة، تمّ التغاضي في هذا السياق عن هذه الاختلافات الشكلية (التي كانت لتكون شديدة الأهميّة لو أنّ البحث موسّع ويمكن إفراد مساحة كافية لتوضيح هذه الفروقات - أمثلة: الألفاظ المستخدمة، والمنطلقات الإيديولوجية العامة التي يُبنى التحليل عليها)، وبالتالي اعتماد البساطة في الخلاصات.

أكتر هي واحدة من أكبر منصّات الأخبار السويدية باللغة العربية وأسرعها نمواً.

توفّر المنصة الأخبار الموثوقة والدقيقة، وتقدّم المحتوى الأفضل عبر النصوص والأفلام الموجّهة لعددٍ متزايد من الناطقين باللغة العربية في السويد وأجزاء من الدول الاسكندنافية وبقية العالم.

تواصل معنا

Kaptensgatan 24, 211/51 Malmö, Sweden
VD -  Kotada@aktarr.se

Tipsa -  Press@aktarr.se

Annonsera -  Annonsering@aktarr.se

للاشتراك بالنشرة الاخبارية

متابعة أخر الاخبار و المواضيع التي تهمك

2023 Aktarr جميع الحقوق محفوظة لمنصة ©