في عالم مليء بالقصص المثيرة والمتشابكة، ها هي قصة جديدة تُضاف إلى رصيد الحكايات التي تتحدث عن الإنسان وأقداره، ومدى تأثير البيئة والوراثة في حياته. قصة تراوغ بين الخيال والواقع، وتتوغل في أعماق النفس الإنسانية.تُعد قصة التوائم الثلاثة، روبرت شافران، وإدوارد غالاند، وديفيد كيلمان، الذين وُلِدوا عام 1961، ثم تم فصلهم عن بعض بعد الولادة، لتصبح حياتهم تحت رحمة تجربة علمية شيّعت في السر حتى اكتشافهم لها بعد 19 عاماً من الفراق، من أغرب وأكثر القصص إثارةً في العالم.وفي تفاصيل هذه القصة، نجد أن الوكالة التي تم تسليمهم لها بعد ولادتهم، هي وكالة Louis Wise Adoption، والتي أغلقت أبوابها عام 2004 بعد سلسلة من الفضائح المتعلقة باستخدام الأطفال في تجارب علمية.ومن هذه التجارب، تلك التي أشرف عليها الدكتور بيتر نيوباور، الذي حاول من خلالها فصل التوائم لاكتشاف تأثير البيئة والوراثة في تشكيل شخصياتهم. ورغم أن هذه التجارب قد أُجريت تحت مظلة الأبحاث العلمية، فإنها كانت تحمل في طياتها جرعات كبيرة من القسوة والتلاعب بأقدار البشر.إلا أن مفارقة القدر جعلت هذه القصة تأخذ منحى آخر في عام 1980، حين اجتمع التوأم الأول، روبرت، مع إدوارد في الكلية، ليُكتشف بعد ذلك أن لديهما أخاً ثالثاً، هو ديفيد. ومنذ ذلك الحين، أصبحت قصة التوائم هذه حديث العالم. ثلاثة غرباء تبين أنهم توأمفي تحول درامي لأحداث يوم عادي، لم يكن يتوقع روبرت شافران أن اليوم الأول في الجامعة سيحمل له مفاجأةً تغير مجرى حياته للأبد. فبينما كان يظن أنه سيواجه تحديات الوصول إلى الصفوف والتعرف على زملائه الجدد، فاجأه استقبال حار من قبل طلاب اعتقدوا أنه صديق قديم.لكن الحقيقة كانت مذهلة: إنه وليس غيره هو توأم لطالبٍ آخر، إيدي غالاند، درس في الجامعة خلال العام الماضي. وكأن الصدمة لم تكن كافية، حيث تلى ذلك الاكتشاف كشف آخر مدهش حيث تم العثور على الشقيق الثالث لهما.ووفقاً لتقارير نُشرت في صحيفة "The Guardian"، فقد اجتمع الثلاثي، الذين تبين أنهم توائم، بعد فترة وجيزة من الاكتشاف. أثارت تعقيدات قصتهم، ومعرفتهم المفاجئة بأنهم كانوا جزءاً من تجربة بحثية، اهتمام وإعجاب الأمريكيين الذين تابعوا تطورات قصتهم عبر الوسائط المتعددة.لكن الأمور لم تتوقف هنا، إذ كشف التوائم عن فريق بحثي قام بتنظيم عملية التبني بهدف إجراء تجارب بحثية استمرت لمدة 15 عاماً. الأمر الذي أضاف طبقةً أخرى من التعقيد إلى حياة هؤلاء الشبان الذين بدأوا مؤخراً في استكشاف ماضيهم وجذورهم.جعلت تلك الأحداث المتسارعة والمفاجآت المتتالية قصتهم محط اهتمام واسع، وأصبحت حديث الصحف والبرامج التلفزيونية، خصوصاً بعد إصدار الفيلم الوثائقي "Three Identical Brothers" على نتفليكس. قصة محزنة تنتهي بطلب كشف أسرار غامضةتمّ تبني التوائم في ظروف مختلفة، وتربوا في أحضان عائلات تتباين من حيث الطبقة الإجتماعية، حيث تربى ديفيد كيلمان في حضن عائلة من الطبقة العليا، حيث كان والده طبيباً، في حين استقبلت عائلة من الطبقة العاملة التي تدير محل بقالة روبرت شافران، وجاء إيدي غالاند ليعيش في أحضان عائلة من الطبقة المتوسطة.لكن بعد أن جمعتهم الظروف وأعادتهم لبعضهم البعض، قرروا العيش تحت سقف واحد وافتتاح مطعمهم "مانهاتن". وبينما كانوا يعيشون حياتهم، متناسقين في اختياراتهم اليومية من الملابس والأماكن التي يرتادونها، أصبحوا مشهورين في جميع أنحاء الولايات المتحدة.لكن الحياة ليست ورديةً دائماً. فبعد فترة، ظهرت الخلافات بينهم حول ظروف العمل وطريقة العيش، وشعر كل منهم بأنه مهمش. وفي لحظة مأساوية في عام 1995، أقدم إيدي غالاند على وضع حدٍ لحياته بعد أن تراكمت عليه آثار الاكتئاب وتفاقمت حالته النفسية.تأثرا بوفاة شقيقهم، ابتعد ديفيد وروبرت عن بعضهما وعاشا حياتهما منفصلة. وفي لمحة من البحث عن الحقيقة والتعمق، قرر المخرج تيم واردل الكشف عن قصة هؤلاء الأشقاء في فيلم وثائقي يروي التأثيرات العميقة لدراسة غامضة أُجريت عليهم في السابق.ومن خلال الفيلم، اكتشف الأشقاء أنهم لم يكونوا الأطفال الوحيدين الذين تم فصلهم عند الولادة. فالدكتور نيوباور، الذي أجرى هذه الدراسة السرية، قام بذلك على 11 تواماً. ومع ذلك، رفض نشر نتائجه، وهي الآن محفوظة في جامعة ييل.اليوم، يطالب كيلمان وشفران بالكشف عن هذه الوثائق وتقديم اعتذار رسمي من المجلس اليهودي. وفي رد سريع، أكد المجلس أنه لا يوافق على الدراسة وأشاد بالفيلم الوثائقي، آملاً أن يساعد التوائم في البحث عن هويتهم الحقيقية.