تتسابق الولايات المتحدة ونظيراتها الغربية لوضع اللمسات الأخيرة على آليات سقف سعر النفط الذي يهدف إلى تجويع روسيا وحرمانها من الإيرادات، وتحقيق الاستقرار في أسواق الطاقة العالمية. ولكن لا يزال هنالك سؤال حاسم دون حل: ما هي أسس تحديد السعر؟تتجادل مجموعة الدول السبع، التي دعمت رسمياً مفهوم سقف الأسعار هذا الشهر، حول المبلغ الذي ينبغي السماح لروسيا بفرضه مقابل نفطها، بينما تستعد للإفصاح عن مزيد من التفاصيل حول هذه الخطة. حيث ظهر الأمر كسؤال مركزي يمكن أن يحدد نجاح هذه الفكرة الجديدة، وكيف سيكون رد روسيا على ذلك، ومسار أسعار النفط مع اقتراب فصل الشتاء. كما سيتطلب تحديد السعر مواءمة المجموعة المعقدة من القوى الاقتصادية والدبلوماسية التي تحكم أسواق النفط المتقلبة.في سياق ذلك، قد تكون عواقب خطأ سقف أسعار النفط وخيمةً على الاقتصاد العالمي، كما أن الوقت بدأ ينفد. حيث تخشى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أنه في حال لم يوضع الحد الأقصى بحلول أوائل ديسمبر/ كانون الأول، فقد ترتفع أسعار النفط في جميع أنحاء العالم نظراً لدور روسيا الضخم كمنتج للطاقة. إضافةً إلى ذلك، فإنه عندما يدخل حظر النفط الذي فرضه الاتحاد الأوروبي وحظر خدمات التأمين المالي على معاملات النفط الروسية حيز التنفيذ في 5 ديسمبر/ كانون الأول، فإن إزالة ملايين البراميل من النفط الروسي من السوق قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.من جانب آخر، يهيمن التمويل والتأمين الأوروبي على سوق النفط العالمي، لذا فإن العقوبات التي تلوح في الأفق يمكن أن تعطل الصادرات في الأجزاء من العالم التي ليس لديها حظر خاص بها - عن طريق جعل الحصول على النفط الروسي أكثر صعوبةً أو أكثر تكلفةً في وقت تكون فيه تكاليف الطاقة مرتفعةً بالفعل. كما سيكون الحد الأقصى للسعر في الأساس استثناءً للعقوبات الغربية، ما يسمح ببيع النفط الروسي وشحنه طالما ظل أقل من سعر معين.في موازاة ذلك، حظيت الفكرة باستحسان الاقتصاديين الذين يرون أنها استراتيجية أنيقة مربحة للجانبين الغربيين، لكن العديد من محللي الطاقة والتجار أعربوا عن شكوكهم العميقة بشأن هذا المفهوم. حيث أنهم يعتقدون أن الخوف من العقوبات قد يخيف شركات الخدمات المالية من النفط الروسي، وأن روسيا وشركائها التجاريين سوف يتحايلون على الحد الأقصى من خلال أشكال جديدة من التأمين أو المعاملات غير المشروعة. كما يعد تأثير الحد الأقصى المقترح لأسعار النفط واحتمال حدوث عواقب غير مقصودة، من أكبر المآزق التي تواجه الدول التي كانت تعاني من التضخم المرتفع الناجم عن اضطرابات سلسلة التوريد والحرب الروسية الأوكرانية.في هذا الصدد، يقول بول شيلدون Paul Sheldon، محلل المخاطر الجيوسياسية في شبكة S&P Global Platts Analytics: «نحن نتطلع إلى سوق نفط أكثر تعقيداً بكثير. هذه ديناميكية غير مسبوقة حيث يوجد مورد كبير للنفط في ظل عقوبات غير مسبوقة، ما يعني أننا في منطقة جديدة على عدة مستويات». لذا من غير الواضح بالضبط كيف سيحدد سقف السعر حتى الآن.في بيان مشترك هذا الشهر، قال وزراء المالية من مجموعة السبعة أن الحد الأقصى «الأولي» للسعر سيستند إلى مجموعة من «المدخلات الفنية» تقررها مجموعة الدول التي تنضم إلى الاتفاقية. وقال مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بوزارة الخزانة الأسبوع الماضي أن الحد الأقصى للسعر سيحدد من خلال «مجموعة من العوامل» وأن الدول التي كانت جزءاً من تحالف سقف الأسعار ستتخذ القرار بالإجماع. وسيرأس التحالف منسق متناوب من بين البلدان.إضافةً إلى ذلك، قال مسؤول بوزارة الخزانة أن عملية تحديد مستوى الحد الأقصى لأسعار النفط سيشكل المرحلة التالية من الاتفاقية، بعد تحديد التفاصيل الفنية حول الإنفاذ وتوقيع المزيد من الدول على التحالف. في حين يفكر المسؤولون الأمريكيون في تحديد سقف السعر، فإنهم يركزون على رقمين مهمين أيضاً: تكلفة روسيا لإنتاج النفط والسعر الذي جلبته السلعة تاريخياً في الأسواق العالمية قبل الحرب في أوكرانيا والذي أدى إلى ارتفاع الأسعار. كما تدرك إدارة بايدن أن روسيا لن يكون لديها حافز لمواصلة إنتاج النفط إذا تحدد سقف منخفض للغاية بحيث لا تستطيع روسيا بيعه بأكثر من تكلفة ضخه. مع ذلك، فإن وضع الحد الأقصى مرتفعاً للغاية سيسمح لروسيا بالاستفادة من الاضطرابات التي تسببت فيها، ويحد من قدرة الحد الأقصى على تقليص عائدات صادرات النفط الروسية بشكل كاف.قبل الحرب والجائحة، كان الخام الروسي، المعروف باسم الأورال، يباع عادةً بما يتراوح بين 55 و65 دولاراً للبرميل. حيث يعد تحديد تكلفة الإنتاج الروسي أكثر تعقيداً لأن بعض آبارها أكثر تكلفةً في التشغيل من غيرها. وتشير معظم التقديرات إلى حوالي 40 دولاراً للبرميل. كما يمكن أن يستقر الحد الأقصى للسعر في مكان ما بين هذه الأرقام.إضافةً إلى ذلك، يناقش المسؤولون ما إذا كان يجب تضمين تكاليف الشحن في الحد الأقصى أو ما إذا كان ينبغي أن تشمل النفط نفسه. وستُسن أغطية منفصلة لمنتجات النفط المكررة الروسية، مثل زيت الغاز وزيت الوقود، التي تستخدم في تشغيل الآلات وتدفئة المنازل. تحوم أسعار النفط حول 90 دولاراً للبرميل في الأسابيع الأخيرة. حيث يُباع النفط الروسي حالياً بخصم حوالي 30%. ويعتقد بعض المحللين أن تصميم الحد الأقصى كمستوى إلزامي أقل من الأسعار القياسية العالمية يمكن أن يكون أكثر فعاليةً لأن أسعار النفط يمكن أن تتأرجح بشكل حاد.في سياق ذلك، قال بن كاهيل Ben Cahill، الزميل البارز في برنامج أمن الطاقة وتغير المناخ في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: «إذا قمت بإصلاحه عند مستوى معين، فقد يخلق ذلك بعض المخاطر لأن السوق يمكن أن يتقلب». كما يمكن أن تنخفض أسعار النفط إلى ما دون مستوى الحد الأقصى إذ ما حددت بشكل مرتفع للغاية. وأضاف كاهيل: «لزيادة الألم الاقتصادي على روسيا، يجب أن تجعل السعر المحدد أقل بكثير من المتوسط العالمي».حتى الآن، لا يبدو أن وزارة الخزانة تدعم مثل هذه الفكرة. حيث تعتزم الولايات المتحدة أن يكون الحد الأقصى سعراً ثابتاً يُراجع بانتظام، ويمكن تغييره إذا وافقت البلدان في الاتفاقية على القيام بذلك. سيعتمد تواتر الاستعراضات على تقلبات السوق، حيث قال مسؤول الخزانة أن تحديد الحد الأقصى بسعر مخفض سيؤدي إلى تعقيد إضافي وأعباء الامتثال، لأن معدل الحد الأقصى يمكن أن يتغير كل ساعة.من جانب آخر، يُعد التأكد من الالتزام بسقف السعر عقبةً أخرى أيضاً. يجري مسؤولو وزارة حزينة الدولة مناقشات مع البنوك وشركات التأمين البحري لتطوير نظام «يشهد» فيه مشتري المنتجات النفطية الروسية على السعر الذي دفعوه، ما يخلي مقدمي الخدمات المالية مسؤولية حصول أي انتهاكات من الحد الأقصى. حيث قالت وزارة الخزانة في توجيهاتها الأسبوع الماضي أن مزودي الخدمات للنفط الروسي المنقول بحراً، لن يواجهوا عقوبات طالما حصلوا على وثائق تؤكد احترام الحد الأقصى. مع ذلك، فقد حذرت من أن المشترين الذين قاموا عن علم بشراء النفط فوق سقف السعر باستخدام التأمين الذي كان خاضعاً للحظر «قد يكونون هدفًا لإجراءات إنفاذ العقوبات».ليس واضحاً عدد البلدان غير الأعضاء في مجموعة السبع التي ستنضم إلى الاتفاق. وتأمل إدارة بايدن أنه حتى لو لم تشارك دول مثل الصين والهند رسمياً، أن تستخدمها كوسيلة ضغط للتفاوض على أسعار أقل مع روسيا. مع ذلك، أقر السيد فيشمان Fishman بأن روسيا ورئيسها، فلاديمير بوتين، قد يكون لهما نظرة مختلفة بخصوص هذه الحوافز. حيث قال السيد فيشمان: «هنالك دوماً جزء بسيط من الشك في أذهان الناس حول عقلانية بوتين واستعداده لإشعال النار في الاقتصاد العالمي واقتصاده من أجل توضيح نقطة ما».