مر أكثر من أربعة عشر عام سنوات على بداية الحرب السورية، وهي سنوات مليئة بالصراع والهجرة القسرية للملايين من السوريين الذين أجبروا على البحث عن الأمان في بلاد بعيدة. ومع كل خطوة يخطوها هؤلاء نحو حياة جديدة في أوروبا، يواجهون تحديات متزايدة تجعل فكرة العودة إلى وطنهم شبه مستحيلة، مما يجسد ما يمكن تسميته بـ "الخسارة المزدوجة". في مقابلة خاصة مع مجموعة من اللاجئين السوريين، الذين فضلوا إخفاء هوياتهم الحقيقية خوفًا من تداعيات الإفصاح عن تفاصيل قصصهم، تحدث هؤلاء عن معاناتهم اليومية في أوروبا، حيث يعيشون بين خسارتين: الأولى تتمثل في وطنهم الذي فقدوه، والثانية في صعوبة العودة إليه بسبب الأوضاع المالية والاجتماعية الصعبة. الخسارة الأولى: الوطن في عام 2013، بدأ "حسن" رحلته إلى السويد مع عائلته، بعد أن اجتازوا رحلة محفوفة بالمخاطر عبر تركيا واليونان. كان اضطراره للمغادرة نتيجة للحرب التي دمرت كل شيء في وطنه. منازلهم باتت أنقاضًا، وأعمالهم أصبحت ذكرى بعيدة. في حديثه، قال حسن: "فقدتُ كل شيء في سوريا، وأصبح العودة مجرد حلم بعيد. الوطن الذي تركناه لم يعد كما كان. لقد كان الخروج من البلد خيارًا صعبًا، ولكن الحرب فرضت علينا الرحيل." الخسارة الثانية: صعوبة العودة بعد مرور سنوات من الاستقرار النسبي في السويد، وجد حسن نفسه في مواجهة تحديات مالية لم تكن في الحسبان. دخلت العائلة في دوامة من القروض والديون التي بالكاد تكفي لتغطية نفقات الحياة اليومية. وعند سؤاله عن إمكانية العودة إلى سوريا، قال: "حتى لو أردت العودة، فإن الوضع مستحيل. البيت دُمر، والمال لا يكفي للعودة حتى لأيام قليلة. الحياة هنا صعبة، ولكن العودة مستحيلة". هذه الصعوبة لم تكن تخص حسن وحده. "سعيد" هو الآخر، الذي وصل إلى هولندا بعد رحلة طويلة عبر أوروبا، يواجه تحديات مشابهة. في حديثه عن وضعه، أشار إلى أنه رغم استقراره في هولندا، إلا أنه لا يستطيع تكوين مدخرات تكفي لتغطية تكلفة السفر إلى سوريا. وأضاف سعيد: "الحياة هنا ليست سهلة كما يعتقد البعض. التكاليف مرتفعة جدًا، والحصول على عمل مستقر يعد أمرًا معقدًا. كيف لي أن أعود إلى بلدي وأنا بالكاد أستطيع توفير لقمة العيش لعائلتي هنا؟" الواقع المالي الصعب خلال السنوات التي قضاها العديد من اللاجئين السوريين في أوروبا، لم يتمكن معظمهم من توفير مدخرات. فمع غلاء الأسعار وارتفاع تكاليف المعيشة، يجدون أنفسهم في دائرة مغلقة، حيث تستهلك الرواتب في تأمين أبسط احتياجات الحياة. بالإضافة إلى ذلك، فإن التزاماتهم المالية المستمرة مثل الإيجارات والفواتير تجعل فكرة العودة إلى سوريا شبه مستحيلة، حيث تزداد تكلفة السفر والإقامة في بلدهم الأصلية بشكل يفوق قدراتهم المالية. التحديات الاجتماعية والنفسية لكن التحديات لا تقتصر على الجوانب المالية فقط. الحياة في أوروبا تُعد بمثابة صراع دائم مع العزلة والتمزق بين الثقافات. يقول أحد اللاجئين: "نشعر بأننا نعيش في مكانين مختلفين، جزء منا هنا وجزء آخر في وطننا الذي لم نعد نعرفه. هذا التشتت الاجتماعي والنفسي يجعلنا نعيش في حالة من الحزن المستمر." السوريون الذين التقينا بهم في هذه المقابلة يعانون من "الخسارة المزدوجة": فقدوا وطنهم الذي لم يعد كما كان، ويواجهون صعوبة كبيرة في العودة إليه بسبب العوائق المالية والاجتماعية. رغم مرور سنوات على هجرتهم، لا تزال العودة حلمًا بعيد المنال، بينما تظل الحياة في أوروبا مليئة بالتحديات التي تؤثر على حياتهم اليومية. يجب أن نتفهم أن هؤلاء اللاجئين لا يعيشون فقط في حالة من الفقدان، بل في معركة مستمرة من أجل العيش في مكان جديد بينما يواجهون أعباء الماضي. إن التضامن والدعم لهم أصبح ضرورة لتخفيف هذه المعاناة، ليتمكنوا من بناء حياة جديدة في ظروف أكثر استقرارًا.