لماذا تقوم السويد بترحيل عمال قطاع التكنولوجيا رغم حاجتها إليهم؟
قضايا-الهجرة-واللجوءAa
بعد مضي أكثر من ثلاث سنوات على وصول عائلة المهندس الإيراني علي عمومي إلى السويد، حيث تقلد منصبا إداريا براتب كبير في واحدة من كبريات الشركات السويدية في قطاع الطاقة والتكنولوجيا، طلبت منه السلطات السويدية مغادرة البلاد.
كان عمومي قد اشترى بالفعل شقة وسيارة في السويد وتعلم اللغة السويدية وسجل اسم ابنه في إحدى دور الحضانة وطور مهاراته في التزلج على الجليد. ويقول عمومي: "شعرت بخيبة أمل كبيرة وأصيبت زوجتي باكتئاب شديد".
وفي عام 2018، صدر أمر نهائي بترحيل عمومي من السويد بعد أن رُفض الطعن الذي قدمه ضد قرار دائرة الهجرة السويدية برفض طلب تجديد تصريح العمل. وقد عللت السلطات هذا الرفض بوجود خطأ إداري في الطلب ارتكبته الشركة التي كان يعمل لحسابها في السابق كونها لم تقدم مستندات التأمين المطلوبة.
ويقول عمومي: "شعرت أنني مجرم، رغم أنني لم أرتكب جرما. لقد جئت للعمل وأدفع الضرائب، وأحضرت أموالي وخبرتي من بلادي".
وتعاني السويد من نقص في عدد الخريجين الأكفاء في بعض المجالات، مثل الهندسة والبرمجة، ويبحث أصحاب العمل عن موظفين من حاملي المؤهلات العليا خارج البلاد لشغل الوظائف التي لم يجدوا من يشغلها في السويد.
وينتقل إلى هذا البلد الشمالي آلاف من العاملين الأجانب المهرة سنويا، ويغري اقتصاد البلاد القوي نسبيا وجودة الحياة المرتفعة فيها الكثيرين منهم على البقاء.
وتصدر في السويد تصاريح العمل للموظفين الوافدين من خارج الاتحاد الأوروبي بشأن وظيفة واحدة فقط ولا يحق للموظف مزاولة غيرها إلا بعد تقديم طلب للحصول على تصريح عمل جديد. ويجوز للموظف أن يتقلد المنصب الجديد أثناء المضي في إجراءات الحصول على تصريح العمل.
غير أن المئات من طلبات تجديد تصاريح العمل التي قدمها العاملون الوافدون من خارج الاتحاد الأوروبي مثل عمومي، رفضت بسبب أخطاء إدارية ارتكبتها الشركات التي كانوا يعملون لحسابها أثناء إقامتهم بالسويد.
وبخلاف مشاكل التأمين، ثمة أخطاء أخرى قد تسببت في ترحيل الموظفين، منها الخطأ في احتساب أقساط المعاشات، والمبالغة في الحصول على الإجازات أو الحصول على إجازات غير كافية، والحصول على وظيفة عبر موقع "لينكد إن"، لم يعلن عنها في هيئة التوظيف الحكومية السويدية.
وأثار ترحيل الموظفين الأجانب جدلا واسعا، ولاسيما في أوساط شركات التكنولوجيا، ويطلق عليه السويديون اسم "طرد العمال ذوي الكفاءات المطلوبة في سوق العمل". وفي عام 2016، وقع أكثر من 10,000 شخص، منهم دانييل إيك، أحد مؤسسي شركة "سبوتيفاي"، على تظلم ضد ترحيل مطور برمجيات باكستاني.
وحذرت الغرفة التجارية في ستوكهولم من أن هذا النهج في ترحيل الموظفين الأجانب قد يضر باقتصاد العاصمة السويدية. ونظم أحد فروع المجتمع العالمي للشركات الناشئة "ستارت أب غريند" في السويد، احتجاجا على تفريط السويد في العمال الأجانب الموهوبين.
وخلص استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "دايفرسيفاي" المناصرة للتنوع في سوق العمل، إلى أن 81 في المئة من العاملين من خارج الاتحاد الأوروبي ذكروا أن التهديد بالترحيل أثر على صحتهم وصحة أسرهم. وذكر نحو 70 في المئة من المشاركين أن السويد ليست الوجهة المفضلة للعاملين الأجانب.
وتقول أليكساندرا لويد، المحامية بشركة "سنترام فور راتفيزا" للخدمات القانونية التي تتولى الدفاع عن العاملين المتضررين، إن هذا النهج في ترحيل الموظفين يضر بسمعة السويد دوليا. ويشعر الكثير من العاملين وأصحاب الشركات الآن بعدم الأمان بسبب النظام القانوني في السويد.
وتعود جذور هذه المشكلة، بحسب لويد، إلى التأويل الحرفي لأحد الأحكام الصادرة عن محكمة الطعون ذات الصلة بشؤون الهجرة عام 2015، والذي ينص على أنه لا يجوز تمديد تصاريح العمل في حال لم تستوف الشركات التي تصدرها المعايير المعمول بها في المجال. وقد صدر هذا الحكم بشأن قضيتين لعمال أجانب كانوا يتلقون أجورا أقل من الحد الأدنى للأجور وكان الغرض منه حماية المهاجرين من الممارسات الاستغلالية لأصحاب الشركات.
لكن بدلا من حماية حقوق الموظفين الأجانب، تسبب هذا الحكم في ترحيل الكثير من الموظفين ذوي الكفاءات المطلوبة بشدة بسبب وجود أخطاء إدارية طفيفة في تصاريح عملهم. وفي عام 2017، رفض أكثر من 1,800 طلب لتجديد تصريح العمل.
شهد العامان الماضيان تحسنا محدودا في أوضاع العاملين الأجانب، بفضل تعديل في القانون يتيح لأصحاب العمل تدارك الأخطاء بأثر رجعي. وأصدرت محكمة الطعون المتعلقة بالهجرة قرارا ينص على تقييم حالة كل طاعن بمفرده بدلا من رفض الطلبات تلقائيا لوجود أخطاء طفيفة.
ويقول بير إيك، المتحدث باسم دائرة الهجرة، إن الدائرة تراقب الالتزام بالقوانين والتشريعات ويبذل موظفوها قصارى جهدهم لإطلاع جميع الوافدين على القواعد والشروط المطلوب استيفائها للعمل في السويد، بمختلف اللغات.
وقد عاد الآن مهندس المبيعات على عمومي إلى السويد، حيث يشغل منصبا جديدا في شركة "أيه بي بي" التي كان يعمل لحسابها، لكن رحلة عودته لم تكن يسيرة. إذ انتقل عمومي في البداية من السويد إلى اسطنبول مع عائلته بينما ظل يبحث عن فرص عمل جديدة في السويد ودول شمال أوروبا.
وكان عمومي في البداية يؤجر منزل العائلة في السويد، لكن السلطات السويدية سرعان ما أجبرته على بيعه بأقل من سعر السوق، بسبب مخالفته للقوانين التي تحظر على ملاك المنازل تأجير منازلهم إلا بشروط معينة لا ينطبق أي منها على حالة عمومي.
وعندما عثر عمومي على وظيفة في السويد، مُنع من تقديم طلب للحصول على تأشيرة، وعللت دائرة الهجرة هذا الرفض بأن عمومي مكث خارج البلاد لفترة طويلة، لكن هذا القرار أعيد النظر فيه لاحقا. وتساعد الآن مؤسسة "سنترام فور راتفيزا" عمومي في مقاضاة الحكومة السويدية عن ضياع أموال كان يمكن أن يجنيها لو لم يرّحل من البلاد. ولو حكمت المحكمة لصالحة سيحصل عمومي على نحو 600,000 كرونة سويدية تعويضا من الحكومة.
وتقول لويد: "إن الهدف من هذه القضية إثبات خطأ دائرة الهجرة حتى لا يتكرر نفس الأمر مستقبلا"، وإذا أحيلت القضية للمحكمة العليا في السويد، فقد يشكل الحكم سابقة قضائية تأخذ بها المحاكم في القضايا المشابهة فيما بعد.
وقدمت زينا جوزيه، مطورة الويب التي تنحدر من الهند، طعنا على قرار المحكمة برفض تجديد تأشيرتها. وتقول جوزيه إن الشركة التي عملت لحسابها لدى قدومها إلى السويد، ارتكبت خطأ إداريا استوجب ترحيلها من البلاد بسبب عدم إلغاء تأشيرتها الأصلية.
وتقول جوزيه إنها تدفع ثمن خطأ لم ترتكبه. ونُصحت بعدم مغادرة البلاد أثناء النظر في الطعن، حتى لا تواجه مشاكل عند العودة بدون وثائق سارية المفعول، ولم تتمكن جوزيه من زيارة عائلتها وأصدقائها في مومباي منذ عام تقريبا.
وقد خسر أنييل باغا، البالغ من العمر 34 عاما من أستراليا والذي كان يعمل مطور أعمال بسلسلة متاجر "إتش أند إم" في ستوكهولم، معركة قضائية دامت ثلاث سنوات للبقاء في البلاد بسبب أخطاء إدارية ارتكبتها الشركة الناشئة التي كان يعمل لحسابها سابقا.
ويعيش الآن باغا مع أبوية في مدينة بريزبان بأستراليا، ويعمل لحسابه الخاص، بينما قدم طلبا للحصول على تصريح عمل للعودة لوظيفيته في "إتش أند إم".
وعلى المستوى السياسي، أبرمت اتفاقية بين الحزب الحاكم الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخُضر المتحالف معه وحزبين يمينيين وسطيين أخرين لحل مشكلة طرد المواهب التي تحتاجها البلاد، وتضمنت الاتفاقية خططا لإصدار تأشيرات للعاملين الأجانب ذوي الكفاءة بدءا من 2021.
ولا تزال قضية ترحيل العمال مثار جدل في الأوساط السياسية وخارجها، وبينما يؤيد البعض وضع قيود على التأشيرات وعدم منحها للعمال الأجانب إلا إذا ثبت وجود نقص في تخصصاتهم في السويد، فإن آخرين يطالبون السلطات بالمرونة بعض الشيء عند التعامل مع الأخطاء الإدارية التي يرتكبها أصحاب العمل.
وأشعل فيلم وثائقي عن استغلال أصحاب بيوت التجميل للعاملين الفيتناميين الجدل حول تداعيات التحايل على القوانين الحالية.
ويقول ماثيو كريتمان، مدير العمليات بمؤسسة "دايفيرسيفاي"، إن قضية طرد العاملين المهرة في السويد لا تمثل مجموعة من المعارك القضائية والجدل المحلي فحسب، بل تعكس أيضا التحديات التي تفرضها الثورة الصناعية الرابعة إثر ازدهار التكنولوجيا والأفكار والابتكارات.
ويقول أنييل باغا، إن النمو والتقدم والوصول للعالمية لن يتحقق من دون مواهب أجنبية لإثراء التنوع في الشركات وفرق العمل. ويحذر باغا من أن الشركات الناشئة الأجنبية في السويد قد تنقل فروعها الرئيسية إلى مدن أخرى مثل برلين ولندن في حال إخفاق السويد في التوصل إلى حل لقضية ترحيل العاملين الأجانب.
وينبه باغا إلى أن الحفاظ على الموظفين الأكفاء هو الذي سيضمن دفع عجلة الابتكار في السويد.