حملت موجة الهجرة الكبيرة من اللاجئين السوريين بين عامي (2014-2015) ضمن ما حملته، عدداً كبيراً من المهندسين السوريين الذين وجدوا نفسهم في بلد جديد، وشعروا بالحاجة لوجود مرجعية باللغة العربية تساعدهم في الحصول على المعلومات التي يحتاجونها حول الدراسات العليا أو مجالات العمل لحملة شهادات الهندسة. وهذا ما دفع م. حسن حمصي، الذي قدم إلى السويد في 2014 ويعمل اليوم كمدير قسم الأساسات في مزرعة لعنفات الرياح في مدينة لوليو، لتأسيس صفحة على الفيسبوك عام 2018 تحمل اسم "المهندسون السوريون والعرب في السويد ". وفي عام 2020 تحول المشروع إلى جمعية مرخصة، تهدف إلى دعم الطلاب الذين يختارون مجال الهندسات. إلى جانب دعم الباحثين عن عمل ضمن هذه التخصصات، وهي الفئة الأكبر المستفيدة من عمل الجمعية، ويتم ذلك عبر تقديم استشارات تخصصية حول كيفية كتابة وتطوير السير الذاتية وتطوير حساب (linkedin) وشرح متطلبات سوق العمل السويدية، ودليل التوظيف عبر سلسلة محاضرات أو كورسات تدعم المهندسين العاملين في هذا المجال وتحمل عنوان "ندوات هندسية". ومن ضمن المجالات التي غطتها الندوات أيضاً كيفية تحويل الإقامة المؤقتة إلى دائمة عبر عقد عمل هندسي وغير ذلك من القضايا التي تهم المهندسين. إلى جانب كل ما ذكر، تقدم الجمعية نوعاً من الإرشاد عبر توجيه الشخص المحتاج إلى خبير من نفس اختصاصه الهندسي للإجابة على أسئلته وتقديم الدعم الذي يحتاجه. المهندس حسن الحمصيالمهندسين وسوق العمليقول م. سامر عيان مهندس المساحة في بلدية Ljungby، وأحد مؤسسي الجمعية، أن فرص العمل في السويد رائعة جداً، لكنها تستلزم من المرء مرونة عالية، وانتقالاً من مدينة إلى مدينة وانكباباً على دراسة اللغة. كما ينصح الوافدين الجدد بالتدرب قدر ما يستطيعون والقبول بالعقود المؤقتة وعقود الساعات، فمن المهم جداً وجود وثائق تثبت دخول المرء إلى سوق العمل السويدي.المهندس سامر عيانأما أريج داوود طالبة الهندسة في السنة الرابعة تخصص (هندسة صناعية وإدارة واقتصاد) في مدينة إسكيلستونا، فتقول إن الانخراط في سوق العمل مهم جداً للطلاب، فهي تعلم أن المسؤولين عن التوظيف والموارد البشرية في الشركات الهندسية لا يتوقفون عند علامات الطالب بقدر اهتمامهم بخبرته العملية وقيامه بعمل إضافي إلى جانب الدراسة، "لأن هذا يعني أنك شخص قادر على التوفيق بين أمرين" كما تقول، وتسوق مثالاً من تجربتها، حيث يعرض عليها اليوم فرص عمل رغم أنها لم تنه دراستها بسبب الخبرة العملية التي اكتسبتها. أريج داوود طالبة الهندسة في السنة الرابعة تخصص (هندسة صناعية وإدارة واقتصاد)في حين ترى م. منى صالح من مصر، وهي متخصصة بالأنظمة المدمجة وتعمل حالياً ك (system architect) في شركة (Volvo Cars)، أن السويد تعترف أيضاً بخبرة المهندس السابقة خارج السويد، إذا ما كان الشخص مثلاً قد عمل في شركات دولية مرموقة. ويرى مؤسسو الجمعية أن مدن الشمال تقدم فرص عمل مهمة في مجال هندسات الطاقة، حيث يطلب دائماً مهندسين من جميع الاختصاصات. كما أن الدولة والبلديات تحاول تشجيع الناس للعمل في هذه المناطق عبر زيادة الأجور وتقديم بعض التسهيلات.المهندسة منى صالحمع ذلك يعد سوق العمل بالنسبة للمهندسين سوقاً تنافسياً بصورة شديدة، خاصة مع سياسات تخفيض الميزانيات التي حصلت بعد أزمة كورونا. فالتنافس قائم بين السويديين والعرب القدماء والوافدين الجدد وحتى الأجانب القادمين من بريطانيا وغيرها من الدول. حول تعديل الشهاداتمن المعروف أن دراسة الهندسة في السويد تقسم إلى قسمين: إما ثلاث سنوات، أو خمس سنوات (ماستر) (civilingenjör). ومن خبرتهم يقول المهندسون الذين التقيناهم أن حياة المهندس في السويد تشبه لعبة الـ (Puzzle) فمن الصعب القول إي نوع من أنظمة الدراسة أفضل، فهناك تخصصات دقيقة معينة تستلزم دراسة الماجستير، وفي مجالات أخرى قد يكتفي المرء بدراسة الهندسة ثلاث سنوات إن عوّض ذلك بالكثير من الخبرة العملية والاجتهاد في مجال اختصاصه. يقول م. حسن بأنه لم يضطر إلى دراسة سنوات إضافية، فكل ما فعله هو تقديم وثائقه التي تثبت دراسته الهندسة المدنية في سوريا لمدة خمس سنوات لـلمجلس السويدي للتعليم العالي (UHR) فأخبروه أن شهادته تعادل الهندسة المدنية السويدية بتخصص التكنيك وحصل بعدها على شهادة سويدية. أما سامر فاستغرقت أوراقه ستة أشهر حتى حصل على التعديل. مجتمع صغير من المهندسينواليوم تضم الجمعية في صفوفها حوالي 200 عضواً مسجّلاً، لكن الدائرة الأكبر من المستفيدين من عملها تمتد لتشمل حوالي 1800 شخصاً من تخصصات هندسية مختلفة. وعبر هذه الشبكة من العلاقات بين أصحاب التخصصات الهندسية، استطاعت الجمعية المساعدة في تأمين فرص عمل للبعض، وتدريبات في مكاتب هندسية للبعض الآخر. رغم انشغالاتهم، يخصص القائمون على الجمعية جزءاً كبيراً من وقتهم لأنهم وكما يقول سامر لا يردون للمهندسين الجدد في السويد أن يقعوا في نفس أخطائهم أو يبدأوا من الصفر، هذا إلى جانب بناء مجتمع مصغر من المتخصصين في مجال الهندسات. في الختام ينصح فريق الجمعية المهتمين بالهندسة بالبحث عن مجالات عمل جديدة كتلك التي تجمع أكثر من تخصص في وقتٍ واحد أو الهندسات في مجالات الطاقات المتجددة وهندسة الروبوتات. لكن ذلك لا يلغي أن التخصصات القديمة مهمة أيضاً، فالسويد مثلاً دائماً ما تعاني من نقص في عدد مهندسي المساحة. وفي الوقت الذي تعد فيه أجور المهندسين جيدة جداً، فهي تتأثر بالعمر والخبرة، وتُعتبر الهندسة المدنية متوسطة الأجر مقارنة بالكيميا والطاقة. حيث يمكن أن يبدأ راتب المهندس عموماً من 34 ألف كرون، والبعض يصل راتبه إلى 120 ألف كرون أو أكثر لمن يملك سنوات طويلة من الخبرة.