بمجرّد مرور عدّة سنوات، تخطّت قيمة شركة نوفو نورديسك Novo Nordisk الدنماركية - بفضل دواء مرض السكري الذي يتمّ استخدامه بهدف التنحيف Ozempic ومستحضر التنحيف Wegovy - قيمة شركات عالميّة كبرى مثل كوكاكولا وماكدونالدوز مجتمعتين. فكيف أثّر هذا الدواء على الوضع الدنماركي، بحيث بات يطلق عليه البعض اسم "ذهب الدنمارك".نصف الأنسولين في العالميقول عمدة بلدية كالوندبيري الدنماركية، حيث يوجد مصنع الدواء كثير المبيعات، بأنّه لم يعد يحصي عدد الطلبات والصور التي أخذت له في مشاريع البناء الجديدة من كثرتها. لكنّه يعرف بالضبط عدد المرات التي قام فيها بتخفيض الضريبة على سكان البلدية، بحيث أصبحت هي الأرخص للعيش في البلاد.في بلديّة كالوندبيري التي يبلغ عدد سكانها 16 ألف نسمة، عندما تدقّ الساعة السابعة والنصف، يدخل معامل نوفو نورديسك ومرافقها قرابة 4 آلاف موظف، ليشاركوا في إنتاج نصف كمية الأنسولين الموجودة في العالم.تتجاوز قيمة الشركة الدنماركية في السوق إجمالي الناتج المحلي للدنمارك، ما يجعلها مؤهلة لإعادة تشكيل الاقتصاد.بدأ الأمر عندما قام مالك شركة تسلا إيلون ماسك في خريف 2022 بالحديث عن أنّ سبب نحفه هو الدواء الدنماركي، ليتهافت المشاهير في هوليود وبقيّة العالم بعدها بالاعتراف بأنّهم يتعاطون دواء دنماركياً مخصص في الأصل لمرضى السكري بهدف التنحيف. Ozempic العظيمكانت شركة نوفو نورديسك شركة أدوية عادية تنتج أدوية معالجة السكري بالأنسولين لمدة تقرب من مئة عام، ثمّ في 2017 ابتكرت دواء Ozempic المخصص للسكري. يهدف الدواء لتنظيم نسبة السكر في الدم، ولكنّه يؤثر أيضاً على إشارات الجوع المرسلة إلى الدماغ، ما يجعل الشعور بالشبع يستمر لفترة أطول، ما عنى بأنّ من آثاره الجانبية أن يفقد مرضى السكري الكثير من الوزن.Foto: Lise Aserud/NTPلهذا أطلقت الشركة منتجاً آخر هو Wegovy بالمادة الفعالة ذاتها، ولكن بجرعة أعلى. وفي عام 2021، تمت الموافقة على المستحضر لعلاج الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن والسمنة الشديدة، والبدانة. وفي هذا العالم الذي تشير فيه بعض التقديرات إلى أنّ كلّ ثمانية أشخاص يعانون من السمنة، بات مقدّراً للشركة الدنماركية أن تصبح أكبر وأقوى.شركات تربح وأخرى تخسرتقول هانّا غروسهوغ Hanna Grosshög، الصحفيّة المسؤولة عن إعداد تحقيق صحفي عن الدواء والشركة في DN بأنّ الرئيس التنفيذي للشركة الدنماركية هو اليوم هدف التودد من قبل المديرين التنفيذيين في صناعة الوجبات السريعة في الولايات المتحدة، والذين يشعرون بالقلق بشأن فقدان الإيرادات لأنّ الناس لم يعودوا يشعرون بالحاجة لتناول وجباتهم المليئة بالسعرات الحرارية.ليست شركات الوجبات السريعة وحدها الخائفة، بل أيضاً شركات أخرى مثل تلك المتخصصة بعمليات استبدال الركب، والتي تواجه أوقاتاً عصيبة في البورصة بعد تكهنات بأنّ الأدوية الجديدة قد تؤدي إلى تقليل تآكل الركبتين.في الوقت ذاته، يعمل 5500 عامل بناء من جميع أنحاء العالم في بلدية كالوندبيري من أجل إنهاء بناء المصنع الجديد لشركة الأدوية. حتّى أنّ الشركة قامت ببناء مهبط طائرات هليكوبتر مؤقت وسط المنطقة تحسباً لحوادث مكان العمل المحتملة.الطلب أكبر من العرض بكثيررغم النجاح الهائل الذي تحققه الشركة الدنماركية، فلديها مشكلاتها أيضاً: إنّها غير قادرة على تلبية احتياجات السوق العالمية المتعطشة لمنتجاتها، وقد أبلغت عن نقصٍ لديها هذا العام في جميع الأدوية التي تحوي المادة الفعالة الداخلة في أدويتها.هذا ما يدفع الشركة لاستثمار 60 مليار كرون دنماركي في مباني المصانع الجديدة. بل إنّ الشركة تقوم باستثمارات أخرى في مصانع جديدة، ولكنّها أصبحت أكثر حذراً بشأن وسائل الإعلام. كما أنّ الطلب الإعلامي على اللقاءات مع مدير الشركة، أو مع مدير فرع الشركة في السويد، ليس متاحاً لأحد في الوقت الحالي بسبب تهافت وسائل الإعلام العالمي على تغطية أخبار الشركة.رافعة النمو الاقتصاديفي 2022 نما الناتج الإجمالي المحلي لبلدية كالوندبيري بنسبة 27٪، بينما كان النمو في جميع أنحاء الدنمارك هو 2.7٪ فقط. تؤثر الشركة على البلدية ليس فقط من الناحية الاقتصادية، بل الخدمية أيضاً. يمكنك توقّع الانتظار في الطوابير لأكثر من ساعة عندما يتعيّن على موظفي الشركة البالغ عددهم 4 آلاف الذهاب إلى العمل.تضغط الشركة على البلدية من أجل بناء طرق سريعة داخل المدينة، وكان لدى الشركة العملاقة محطة قطار خاصة بها في الماضي.ليست كالوندبيري هي الوحيدة التي تستفيد من الشركة، فقد شكلت هي وأربع بلديات أخرى تمتلك فيها الشركة مرافق، ثلثي إجمالي الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي لكامل الدنمارك. لكن تبقى كالوندبيري هي من تحصل على حصة الأسد. يقول العمدة بأنّ ضرائب البلدية قبل 14 عام كانت حوالي 20 مليون كرون، أمّا اليوم فيزيد مبلغ الضرائب عن 200 مليون كرون.رافعة النمو الاجتماعيتحدثت آنيت بيرك، مديرة مركز الأبحاث هيليكس لاب Helix Lab الذي يقع بالقرب من مقر شركة نوفو نورديسك، والذي يحصل على تمويله بشكل جزئي من الشركة، مع DN، وقالت بأنّ الطموح أن يتمّ التطوير العلمي والاجتماعي أيضاً عبر إنشاء مجموعة دولية للتعليم والبحث في مجال التكنولوجيا الحيوية في كالوندبيري. تضيف بيرك بأنّه في السابق كان على الأشخاص الذين ينشدون التعليم أن ينتقلوا من البلدة ويسافروا لأماكن أخرى، أمّا الآن "فنحن نجذب الشباب للانتقال إلى هنا، وفي الوقت نفسه نمنح الفرصة لأولئك الذين يعيشون هنا للبقاء".مختبر هيليكس الذي تساهم شركة الأدوية في تمويله يستقطب طلاب الجامعات من جميع أنحاء العالم، الذين يأتون لتنفيذ مشاريع شهاداتهم. فالبلدة حيث الشركة هي القبلة التي يبحث عنها باحثو العلوم الحيوية.خلال العامين اللذين عمل فيهما مركز أبحاث هيليكس لاب، قام 40 طالباً بتنفيذ مشاريع شهاداتهم هنا. وقد وجد نصفهم وظائف في كالوندبوري، ومعظمهم في نوفو نورديسك.النمو وشركة الأدويةفي الوقت الذي تشهد العديد من الدول مشاكل اقتصادية، ومنها السويد، تمكن البنك المركزي الدنماركي من إبقاء معدلات الفائدة منخفضة بفضل مبيعات الشركة في الخارج.لولا نوفو نورديسك، لكانت الدنمارك في حالة ركود الآن، كما يقول كورت ياكوبسن، أستاذ تاريخ الأعمال في كلية كوبنهاجن للأعمال والذي نشر كتاباً عن تاريخ الشركة العام الماضي.لكن في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى DN، شددت وزيرة الاقتصاد الدنماركية ستيفاني لوس على أن جزءاً كبيراً من عمليات Novo Nordisk تتم في مصانع بالخارج.يخشى الكثير من الدنماركيين أن يحصل للدنمارك وشركة الأدوية ما حصل لفنلندا وشركة نوكيا. حيث أثّر ذلك على الاقتصاد الفنلندي لعدة سنوات.لكنّ البروفسور كورت ياكوبسن لا يرى سبباً للقلق. يقول: "تنفق شركة Novo Nordisk مبالغ كبيرة على الأبحاث. وعندما تنتهي صلاحية براءة الاختراع في غضون سنوات قليلة، يكونون قد بدأوا بالفعل العمل مع مجالات أمراض جديدة ذات صلة، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية". في أوائل شهر مارس، نشرت شركة نوفو نورديسك نتائج دراسة لعقار جديد للسمنة يتم تناوله على شكل أقراص بدلاً من الحقن. أدت الأخبار إلى ارتفاع القيمة السوقية للشركة. ويبلغ الآن 6200 مليار كرون.المنافسةلكن ماذا عن المنافسة، ألا يوجد منافس؟ في الحقيقة المنافسة مستمرة، وخاصة مع شركة الأدوية الأمريكية إيلي ليلي، والتي قدّمت على الموافقة في أوروبا من أجل مستحضر علاجي لمكافحة السمنة والتنحيف يشبه منتجات الشركة الدنماركية، ولكن أكثر فعالية.في الوقت نفسه، تقوم كل من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية والوكالة الأوروبية للدواء الآن بالتحقيق فيما إذا كانت الأدوية ذات الشعبية المتزايدة يمكن أن تسبب آثاراً جانبية خطيرة، مثل زيادة خطر الأفكار الانتحارية وفقدان الشعر.