التقت منصة أكتر قبل أيام الإمام سعيد عزّام، المقيم في مدينة مالمو وهو رئيس مجلس الإفتاء السويدي. خلال اللقاء معه، طرحنا عليه مجموعة من الأسئلة الراهنة التي تهم الكثير من المسلمين من أبناء الجالية العربية في السويد وفيما يلي الجزء الثاني من هذا اللقاء: - ما هو مجلس الإفتاء؟ ماذا يضم؟ وما المساعدات التي يقدمها للجالية العربية والإسلامية في السويد؟ أُنشئ المجلس قبل حوالي 12 عاماً، بعد أن تم استمزاج آراء الجمعيات الإسلامية. ولم يكن سهلاً في ذلك الوقت الخروج بشيء جديد خارج مظلة ما كان موجوداً من اتحادات إسلامية وغيرها. وكنّا في ذلك الوقت نتمنى وجود مجلس مستقل وجامع للجميع. حيث اجتمع في حينها حوالي 17 إماماً من أصول متعددة منهم تسعة تخرجوا من كليات العلوم الشرعية. وكنّا نرى بأن الكثيرين يعتمدون في فتاواهم على صفحات وعلماء من خارج السويد، بل من خارج أوروبا، وبعد أحداث 11 سبتمبر بدا واضحا أن هناك حساسية تجاه الفتاوى التي تأتي من الخارج، كما أننا هنا لا شك أعرف بتنزيل النصوص وواجتهادات العلماء على واقعنا خاصةً وأن المفتي يلزمه الإلمام بواقعه، ومن المعلوم أن كل خطأ أو انحراف مصدره إما خطأ في فهم النص الشرعي أو في تنزيله على أرض الواقع، وهو ما يسميه العلماء بتحقيق المناط، ولا يخفى أيضا أنه يجب النظر إلى المآلات. لذلك وبعد توقف لفترة من الزمن قمنا بحمد الله بإطلاق مجلس الإفتاء ومعه صفحة (fatwaradet.se) وهي عبارة عن صفحة سؤال جواب تضم كل ما يحتاجه المسلم في قضايا العبادات من الطهارة والصلاة والصيام والزكاة والحج، وصفحة مجلس الإفتاء السويدي على الفيس بوك.والخدمة التي يؤديها المجلس هي الإجابة عن الأسئلة التي يحتاجها الناس في حياتهم اليومية، ورفع الحرج عنهم والالتباس والقلق عندما يجدون أنفسهم غير قادرين على الوصول إلى الفتوى الصحيحة من بين ركام من الآراء والاجتهادات، كما والحمد لله بدأنا ندلي برأينا في قضايا المجتمع العامة، والأئمة المؤسسين للمجلس منتشرون في عدة مدن سويدية، وللحقيقة يوجد في السويد الكثير من الأئمة المؤهلين الذين يستطيعون أن يكونوا معنا، لكن التوسع يجب أن يكون مدروسا، وبما أن المجلس مؤسسة مُرخصة ومتخصصة في قضية الفتوى فهو سينظر فيمن ينضم إليه ممن يحقق أهداف المجلس.- هل مجلس الإفتاء السويدي جزءٌ من مجلس الإفتاء الأوروبي؟ لا ، فمجلس الإفتاء الأوروبي مثله مثل المجامع الفقهية في العالم الإسلامي، والتي تجتمع كل ثلاثة أو ستة شهور، في حين أن مجلس الإفتاء السويدي يشبه دور الإفتاء في العالم العربي الموجودة في السعودية، أو القاهرة، أو عمان.. وإذا احتاج الناس إلى طرح أسئلة معينة لا تستطيع أن تقول لهم "اذهبوا إلى دبلن"، فلا بد من وجود مجلس إفتاء محلي يجيب على الناس وأيضا المؤسسات، ونطمح مستقبلاً أن يصبح هناك اعتراف رسمي "بالمفتي" لكن هذا ما يزال أمراً مبكراً. - يوجد في السويد كثير من المؤسسات الإسلامية مثل مجلس التعاون الإسلامي الذي يضم سبعة إتحادات إسلامية، هل هناك مثلاً تعاون بينكم وبينه أم أنتم مؤسسات منفصلة؟ نعم نحن مؤسسة مستقلة ومجلس التعاون الإسلامي لا يضم دار فتوى متخصصة، ونحن حريصون أن يكون هناك مجلس إفتاء مستقل يشارك به الجميع. كما أن مجلس التعاون الإسلامي فوق الاتحادات التي تضم الجمعيات الدينية التي نشارك بها كأفراد ونأمل في المستقبل أن الجميع ينضم لمجلس الإفتاء والذي يوجه خدماته للجميع في السويد وحولها وليس فقط للأعضاء كما الجمعيات. - كيف تجدون تعامل الحكومة السويدية مع الجمعيات والمؤسسات والمنظمات الإسلامية خاصةً بعد قضية المدارس الإسلامية؟حقيقةً هناك تخوّف من قبل المسلمين من احتمال انتقال عدوى العنصرية والتشدد واستهداف الإسلام والمسلمين إلى السويد ، وبعض الناس قد بدأوا بالفعل يلاحظون انتشار الكراهية والعنصرية والفهم المغلوط للمسلمين الملتزمين أو غيرهم. كما والأحزاب بدأت تخاف على الأرضية التي يتكئ عليها في انتخاباته فبدأت تتشدد حتى أصبح اليسار في نظرته إلينا كما اليمين وأصبح يتماهى معه. إذ يصعب أحياناً تحديد إن كان مصدر بعض التصريحات اليمين أم اليسار. وكل ذلك يترك آثاره علينا، لهذا عندما قاموا بإغلاق المدارس فهمنا بعض الأسباب والمبررات، لكن ليس للكل فما يخص مدرسة السلام في أوربرو مثلاً، فأنا لم أجد أسباباً لإغلاق رقم الحساب والتأمين حتى ألجؤوا إدارتها إلى أن تتخذ قراراً بإغلاقها. - بالنسبة للمؤسسات الإسلامية هل تشعرون بهذا التضييق أو لديكم مساحة أكبر للعمل؟ كما تعلمون حرية الرأي والتدين وممارسة الشعائر والعبادات في السويد مكفولة. ومن المعروف أن هامش الحريات هنا واسع. لكن المرء مع ذلك يشعر بالقلق إزاء تصريحات مثل تصريح وزير العدل مثلاً الذي قمت أنا بكتابة رد عليه. فوزير العدل السويدي حينما كان في بروكسل اجتمع في نظيريه الفرنسي والألماني وتحدثوا عن قضية الدعم الذي يأتي إلى المساجد من الخارج وسموا قطر والسعودية بالاسم، وتحدثوا أن جزءاً من هذا الدعم يذهب إلى الراديكاليين ويقوي الإسلامويين، فطالب الوزير الاتحاد الأوروبي ومسؤولة ملف الإرهاب بإيقاف هذا الدعم. عندما يسمع المرء هذا الكلام ينصدم، فبدلاً من شكر هذه الدول نقوم بمهاجمتها؟ إن بقينا نحن في الأقبية تحت الأرض دون مساجد نسمعهم يقولون: "ماذا يخطط هؤلاء وهم يختبئون في الأقبية مثل الجرذان؟" علماً أن الأقبية فيها رطوبة، و نحتاج دائما لتغيير السجاد. فالأماكن التي كنا نجتمع فيه لم تكن مناسبة لاستقبال أعداد كبيرة. فكان لا بد من أن يكون المسلمون فوق الأرض، وإذا ما مر بهم "الآخر" يستطيع النظر إليهم كما ينظر إلى من في الكنائس والأديرة، لا بد أن يراهم من خلال الشباك كي يعرف ماذا يفعلون، فنحن والحمد لله لا نقوم بفعل شيء خطأ. كما أننا نحتاج إلى مكان مهيّأ يستطيع أبناؤنا أن يأتوا إليه ويشعروا بالراحة، بحيث لا يكون المكان طاردا فالأقبية مكان غير مخصص لكي يوجد البشر فيه. وبالتالي جاءت هذه الدول مشكورة وقدمت لنا الدعم، فعلى سبيل المثال الوقف الاسكندنافي في مالمو دعمته قطر، ومسجد ستوكهولم الكبير اشتري من الإمارات. واللاجئين الجدد الذين مازالوا في بدايات تأسيسهم لحياتهم هنا لا يمتلكون ما يكفي من المال لبناء مساجد كبيرة. وهذه الأموال جاءت عبر تحويلات مراقبة من الدولة، وإن كان هناك بالفعل أموال تتسرب لدعم المتشددين فمسؤولية الدولة كشف هذا الأمر، و تصريحات من هذا النوع مقلقة.ما دور مجلس الإفتاء في قضية السوسيال إلى جانب البيان الذي قمتم بنشره سابقأً، هل تم التواصل مع جهات رسمية أو التواصل مع الأهالي؟ نحن نقدر الحراك الذي يجري حالياً ونقدّر العواطف، ولا شك أن العائلات تحتاج من يتعاون معها، فالكثير من هذه العائلات لا تعرف القوانين، والقوانين وضعت قبل أن يأتوا، وهي لم توجد لاستهداف اللاجئين أو المسلمين. ونحن لا نريد أن يأتي أحد ويجرّم هذا الحراك لأنه من وجهة نظرنا حراك طبيعي لأن الأمر بمثابة كرة ثلج بدأت تكبر. لكن بالنسبة لنا نحن المهاجرين القدماء، لقد تعاملنا مع القوانين بشكلٍ طبيعي، لأننا عشنا هنا لسنوات حتى كبر أطفالنا. لكن القادمين الجدد وجدوا أن هذه القوانين صعبة عليهم وهم لا يعرفونها من قبل. ولهذا فلا بد من حماية طبيعة هذا الحراك والتأكد من أن يكون على رأسه أناس حقوقيون وصحفيون ونشطاء في حقوق الإنسان كي يساعدوهم للوصول إلى غاياتهم. ونحن نستطيع أن نساعدهم بالكلمة رغم أننا مقتنعون أن هذه القوانين لا يمكن تغييرها إلا عبر البرلمان، وقبل البرلمان لا بد من أن يكون هناك رأي عام داعم في المجتمع من المسلمين وغير المسلمين، لأننا نحن أقليّة هنا، فلا بد من تحرّك الرأي العام والأحزاب التي يجب أن تمارس دورها من أجل تغيير هذا القانون. ويجب كذلك على الجانب الآخر توعية العاملين في السوسيال كي يتخلوا عن أفكارهم المسبقة وتحديداً تلك القناعات التي بدأت تترسخ بعد أحداث 11 سبتمبر، والتي تحوي أفكاراً مغلوطة عن الإسلام والمسلمين. وهذه الأمور جميعها نستطيع القيام بها عبر الاتصال بالسلطات والتشاور معها. وكذلك الأمر، من المهم فصل الحراك الداخلي عما يحصل في الخارج، ونحن في مجلس الإفتاء بذلنا الكثير من الجهد في هذه النقطة تحديداً عبر الرد على الخارج الذي يتهم السويد بأنها بلد تكم الأفواه وتسبي الأطفال وهذا في الحقيقة أمر غير موجود. فنحن نقوم بما نستطيع عليه والدولة من جهتها يجب أن تقوم بما تستطيع عليه. لكن الأمر المهم بالنسبة لي هنا هو التأكيد على أن هناك آلية معينة لتغيير القوانين في السويد. في بيانكم ذكرتم أن هناك مشكلة تتعلق بكون القادمين الجدد لديهم أحياناً عادات أو طرق تربوية كانوا يمارسونها في بلدانهم الأصلية وهي مختلفة عن تلك التي تمارس في السويد. كيف برأيك يمكن للمسلمين أن يغيروا من بعض عاداتهم التربوية الخاطئة لتتوافق مع قوانين السويد دون أن يؤثر هذا على التزامهم الديني؟ كما تعلمون السوسيال يتدخل عندما يكون هناك أذى نفسي أو جسدي أو تقصير في تأمين احتياجات الطفل. بالنسبة لنا نحن المسلمين، أمرنا الإسلام بالاهتمام بالأبناء وتربيتهم وتأديبهم لأنهم أمانة في أعناقنا، ولضعف الأبناء وحاجتهم للإرشاد وحتى يستجيبوا للنصح لا بد من دعوتهم بالحسنى والتودد لهم والحنو عليهم وإشعارهم بحبنا لهم. ومن وجهة نظرنا التربية لا تكون بالضرب والضغط والإهانة وإنما تكون بالحسنى. فالطفل في النهاية قاصر وصغير وليس من حق الأب والأم أو الأستاذ تعنيفه وضربه وخاصة الضرب المبرح الذي يفعله البعض للأسف، فهناك طرق أخرى للتربية وإيصال المعلومة. وكذلك النساء فقد قال الرسول الكريم: "لا يضرب خياركم"، لذلك فالأولاد أمانة عندنا وهم فلذات أكبادنا يجب على الأب أن يتجنب الضرب والإهانة كي لا ينتج عن ذلك ردة فعل عكسية. فأنا أعرف بعض الأهالي الذين يسببون ضرراً جسدياً أو نفسياً لأطفالهم أو حتى لا ينفقون الإعانات التي يحصلون عليها من الدولة لتأمين مستلزمات الطفل أو تهيئة غرفة خاصة له. هناك مثلاً إحدى الأخوات التي جاءت إلي وقالت إنها سبق وسمعت أنها لن تحتاج في السويد لطهو الطعام لأطفالها أو إطعامهم لأن المدرسة تطعمهم. وفي الحقيقة كثير من الأهالي لا يعلمون كيفية التعامل الصحيح مع الأطفال أو المراهقين ويعاملوهم فقط بالصراخ ما ينفّر الأبناء منهم. من وجهة نظر مجلس الإفتاء، من كان وراء الحملة الخارجية التي تحدثت باسم المسلمين، ورفعت شعار "السوسيال يخطف أبناء المسلمين"؟الأمر بدأ في الداخل والجهات خارج السويد ركبت الموجة. فهذه القناعات كانت موجودة في السابق لكن بنسبة قليلة لأنه وكما قلت الذين جاؤوا إلى السويد منذ زمنٍ طويل يعرفون القوانين، لكن المشكلة تضخمت حقيقةً مع من جاؤوا فيما بعد، لأن أغلب هؤلاء جاؤوا في ظروفٍ صعبة هرباً من حروب وكوارث وفقر، ولهذا تجد أن البعض منهم سريعو الغضب، وهناك أحياناً مشكلات عائلية بين الرجل والمرأة فالبعض منهم جاء لتصفية حساباتهم، بدلا من صون أطفالهم وأسرتهم. كل تلك الظروف ساهمت بزيادة عدد الأطفال الذي يتم سحبهم. ففي السابق كانت الأعداد لا تتجاوز بضع مئات أو آلاف لكنها أصبحت الآن ثلاثين ألف في السنة، وهؤلاء بالطبع من أصل 120 ألف بلاغ قلق، لأنه وفي الحقيقة لا يتم سحب كل الأطفال. ومن جانبٍ آخر تلعب الميديا دورها في تضخيم بعض الحقائق، مثل أن يتحدث تقرير إخباري عن عائلة تم سحب أربعة أبناء منها وطفل خامس عند ولادته. طبعاً المقيمين القدماء في السويد (مثلنا) وبمجرد سماع عبارة أخذ ولد عند الولادة، يعرف أن هناك ملف جاهز وأحكام قضائية بحق هذه العائلة، وبالتالي أي طفل سينجبونه سيتم سحبه وفق القانون. لكن الناس تشاهد هذا النوع من التقارير دون النظر إلى ما خلفه. أنا بالنسبة لي أرى أن مكان الولد الطبيعي هو حضن والده ووالدته، ولا يجب أخذ الولد إلا في الحالات القصوى. والأفضل هنا أن يتم وضع الطفل مع أهله في أماكن خاصة تحت الرقابة، وإن لم يكن هذا متاحاً لا بد من ضمان أن يلتقي الآباء أطفالهم مرة في الأسبوع، حيث يتناولوا طعامهم سوية تحت الرقابة بالطبع وبوجود مشرفين، بحيث لا يجري سحب الأطفال إلا ضمن نطاق ضيق. وأعتقد أن الدولة حريصة على ذلك أيضاً، ففي المحصلة جميع الأطفال هم أطفال السويد، سواء نشأوا هنا أو هناك، فالمجتمع يقوم بتربيتهم عبر المناهج وفي المدارس. ولذلك نحن نحاول أن يكون طفلنا سويدياً مسلماً، مخلصاً، غير منقطع عن جذوره. وهذا أمر يصعب ضمانه إن تم تربية الطفل في عائلة أخرى، كما أن العائلة التي سحب أطفالها منها تتحطم حقيقةً في المعنى النفسي. الإمام سعيد عزامفي الختام نذكّر بأن الإمام سعيد درس البكالوريوس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض، وأكمل الماجستير في الجامعة الأردنية في كلية الشريعة، لينتقل بعد ذلك إلى السويد عام 1991 ويستقر فيها. وخلال سنوات إقامته عمل مع رابطة العالم الإسلامي إلى جانب كونه إماماً في مالمو منذ ذلك الوقت، وهو أيضاً رئيس مكتب الإفتاء السويدي ولديه مكتب للاستشارات العائلية في مالمو