تنتظر مدينة إدلب شمال غرب سوريا كارثة إنسانية مع استمرار الأعمال القتالية والقصف العشوائي المستمر منذ عدة أيام في إطار هجوم عسكري سوري مدعوم من روسيا.. يأتي هذا التطور بعد أن كانت محافظة إدلب بالقرب من الحدود مع تركيا استثناء، حيث كان مقاتلو المعارضة ومسلحون مرتبطون بتنظيم القاعدة، يسيطرون عليها، ويقطن المحافظة نحو ثلاثة ملايين نسمة عدد كبير منهم من النازحين داخليا، إلا أن قوات الحكومة السورية واصلت الهجوم لأكثر من شهر في محافظة إدلب الشمالية الغربية، آخر معقل لجماعات المعارضة في البلاد. وخلال الأيام الأخيرة، استولت القوات الحكومية على أكثر من عشر قرى في المنطقة، عندما بدأت دفاعات المسلحين في الانهيار. وقتل أكثر من 80 مدنيا جراء الهجمات في إدلب خلال الفترة ما بين 15 و23 يناير الجاري، فيما أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن مقتل 211 عسكريا سوريا جراء الاشتباكات مع التشكيلات المسلحة فى سوريا منذ 9 يناير. وقال مدير مركز حميميم لمصالحة الأطراف المتناحرة فى سوريا والتابع لوزارة الدفاع الروسية، اللواء يورى بورينكوف، فى بيان أصدره أمس: "قتل فى سوريا منذ 9 يناير 211 عسكريا سوريا فيما أصيب أكثر من 300 بجروح، جراء الاشتباكات مع التشكيلات المسلحة غير الشرعية، وعمليات القصف من جانبها". مدينة خالية الجيش السوري أعلن الأربعاء، أن قواته تسيطر بالكامل على مدينة معرة النعمان التي كانت خاضعة لسيطرة الجماعات المسلحة في محافظة إدلب شمال غربي البلاد. وباتت المدينة خالية إلى حد كبير من جراء القصف المكثف في الأسابيع الأخيرة. والسيطرة على معرة النعمان في محافظة إدلب تمثل نصرا مهما لقوات الرئيس بشار الأسد.فوسط غارات جوية مكثفة وقصف عنيف، توجهت شاحنات محملة بالنازحين من المناطق المحيطة بمعرة النعمان، وكذلك جبل الزاوية، إلى مناطق قريبة من الحدود مع تركيا. وكشفت الأمم المتحدة عن فرار 200 ألف شخص على الأقل خلال اليومين الماضيين، ومنذ أسبوع كان عدد (من هربوا) نحو 115 ألف شخص، وفر قرابة 390 ألفا خلال الشهرين الماضيين. واستعادت قوات النظام السيطرة على معظم أنحاء البلاد من مقاتلي المعارضة، بفضل غطاء الدعم الجوي الروسي، الذي ساعد في تغيير مقدرات الحرب السورية التي استمرت لأكثر من تسع سنوات. وأبقت القوات السورية طريقا غرب المدينة مفتوحا لإعطاء فرصة للمسلحين للانسحاب، وتجنب معارك الشوارع داخل المدينة. كارثة إنسانية مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكووك أكد أن المعارك حول مدينة إدلب يجب أن تتوقف، محذرا أمام مجلس الأمن الدولي من تفاقم "كارثة إنسانية" في المنطقة. وأكد المسؤول الأممي أنه على أطراف النزاع ومن لهم تأثير عليها، أن توقف المعارك فوراً. إذا لم تتوقف أعمال القتال الحالية، سنكون أمام كارثة إنسانية أكثر خطورة بعد. مشيرا إلى أن "مئات آلاف المدنيين في خطر ويحاولون الفرار". وقال إنه تحدث الأسبوع الماضي مع سوريين في إدلب، موضحاً لمجلس الأمن الدولي أنهم "كانوا في حالة صدمة، ويشعرون أن العالم تخلى عنهم". وتابع: "لا يفهمون لم يعجز هذا المجلس عن وقف المجزرة في أوساط سكان مدنيين محاصرين في منطقة حرب"، موضحا أن رسالتهم هي "نحن خائفون. ساعدونا أرجوكم، أوقفوا ما يحصل". غضب وتهديد التوغل السوري في إدلب أغضب تركيا، التي تدعم المعارضة ونسقت على مدار سنوات مع روسيا، الداعم الرئيسي للأسد، خلال الصراع. وأعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن إحباطه من موسكو لفشلها في وقف الهجمات السورية في إدلب، وقال إن روسيا غير ملتزمة بالاتفاقيات التي أبرمتها مع تركيا بشأن الوضع في إدلب، ومنها وقف إطلاق النار الذي انهار في بداية الشهر الجاري. مضيفا أنه على اتصال بالروس ليطلب منهم وقف القصف "في إدلب وإلا سينفد صبرنا". تركيا هددت بالرد على أي هجوم ضد نقاط المراقبة التابعة لها في محافظة إدلب السورية، التي تحاول قوات النظام السوري استعادة السيطرة عليها. وحذرت وزارة الدفاع التركية في بيان "سنرد بدون تردد في إطار الحق المشروع في الدفاع عن النفس على أي محاولة تهديد لنقاط المراقبة التركية في المنطقة". وينتشر الجيش التركي في نقاط مراقبة في منطقة إدلب بموجب اتفاق تم التوصل إليه في سبتمبر 2018 بين موسكو حليفة النظام السوري وأنقرة الداعمة للمعارضة. وكان الاتفاق يهدف إلى تفادي عملية للنظام السوري في المنطقة، التي يسيطر عليها تنظيم هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، وحيث يعيش 3 ملايين شخص. واتهمت الوزارة النظام السوري بخرق وقف إطلاق نار دخل حيز التنفيذ في إدلب في 12 يناير "عبر مواصلتها قتل المدنيين الأبرياء" والتسبب بـ"مأساة إنسانية كبرى". خيارات صعبة تقدم النظام السوري في إدلب جعل تركيا تواجه خيارات صعبة، بعد أن باتت في موقف "ضعيف" أمام دمشق وموسكو. وجاء في تقرير لـ"ميدل إيست آي" البريطاني أن قوات نظام الرئيس بشار الأسد أحاطت أثناء تقدمها بنقاط المراقبة التركية في المنطقة، التي نُشرت بموجب اتفاق خفض التصعيد بين أنقرة وموسكو وطهران الذي أُبرم في أستانا (نور سلطان حاليا) عاصمة كزاخستان عام 2017. ويعني هذا التقدم أن اثنتين من 13 نقطة مراقبة تركية في المنطقة المنزوعة السلاح هي الآن مطوقة من قبل قوات الحكومة السورية. وأُقيمت المنطقة المنزوعة السلاح بعرض يتراوح ما بين 15 إلى عشرين كيلومترا على طول خط التماس داخل منطقة خفض التصعيد في إدلب. وذكر التقرير أن تلك القوات حاصرت مدينة معرة النعمان جنوبي إدلب وسيطرت على امتداد الطريق السريع أم 5 (حلب - حماة)، لتقطع بذلك طريق الإمداد الرئيسي إلى نقطة مراقبة بالقرب من قرية معر حطاط في المحافظة نفسها. ويرى محللون أن مستقبل الوجود التركي في سوريا ومآلات علاقات أنقرة مع دمشق، قد تحكمها على الأرجح حسابات تتعلق بتحالفاتها مع روسيا وإيران، ومدى تحقيقها لأهدافها الإستراتيجية. وتخشى تركيا أن يؤدي التصعيد العسكري في إدلب إلى تدفق مئات الآلاف من النازحين السوريين صوب حدودها الجنوبية. المصادر sverigesradio وكالات