البقاء وحيداً في السويد يترك الإنسان في حالة من عدم الاستقرار النفسي، لكنّ البعض وحيدون بالإجبار وليس باختيارهم لكون البيروقراطية تمنعهم من لمّ شمل من يحبون حتّى عندما يحققون كامل الشروط المطلوبة قانونياً. هذه هي حالة سامح الذي بدأ يفقد صبره وثقته في أنّ السلطات السويدية تأخذ مصالح مواطنيها على محمل الجد ودون استخفاف.جاء سامح إلى السويد في 2014، وبدأ الترسيخ والدراسة لمدّة عام. ثمّ في بداية 2017 بدأ بالعمل ومنذ ذلك الوقت لديه عقد عمل ثابت، وحصل على الجنسية السويدية في 2019. يسكن سامح في يوتوبوري ومشكلته الأكبر اليوم أنّه يعاني من الوحدة في السويد.كان سامح يعرف زوجته منذ فترة طويلة تعود إلى أيّام وجوده في سورية، وفي أثناء أزمة كورونا كان سامح موجوداً في تركيا وزوجته أيضاً، حيث تزوجا عام 2020 بشكل رسمي وانتقلا للعيش معاً. يعمل سامح في مجال "IT"، ما سمح له بالبقاء في تركيا مع زوجته والعمل عن بعد أثناء كامل أزمة كورونا. لكن بعد تخفيف القيود، بات على سامح أن يعمل في مكتب الشركة ليومين في الأسبوع، الأمر الذي دفعه للعودة إلى السويد.في هذا الوقت كان سامح قد بدأ إجراءات استقدام زوجته ولمّ شملها. يحقق سامح جميع الشروط المطلوبة التي تسمح له قانوناً بلمّ شمل زوجته: عقد عمل ثابت، وحساب بنكي بمبلغ كبير، ومنزل يتسع لاثنين (في الحقيقة منزل سامح يتسع لأربعة أيضاً). حتّى الشروط غير المطلوبة من سامح لكونه حامل جنسية، مثل العيش مع بعضهما قبل المجيء إلى السويد، فسامح وزوجته يحققانها.أين المشكلة إذاً؟يقول سامح أنّ المشكلة أنّهم في مصلحة الهجرة يتعاملون باستخفاف واستهتار مع طلبات الناس. فهم لم يصلوا حتّى لتعيين محقق في الأمر. يضيف سامح: كلّما تواصلنا معهم يخبروننا بأنّ علينا الانتظار وبأنّ عدد المتقدمين كبير، لكنّهم لا يدركون أنّ هذا الانتظار له ضريبة على حياتنا وصحتنا النفسية.وفقاً لإحصاءات مصلحة الهجرة الرسمية، فمنذ بداية العام الحالي وحتّى شهر يوليو/تموز، تمّ تقديم 17,091 طلب لمّ شمل، لم يُقبل منها سوى 7,648 طلب. وفي يوليو/تموز تمّت الموافقة فقط على 756 طلب لم شمل من أصل 2,085 طلب.الأمر الذي يزعج سامح أكثر عدم وجود حدّ أقصى لدراسة الطلب، ما يعني بأنّ عليه ربّما الانتظار لأعوام، مع ما يعنيه ذلك من تكاليف مالية ونفسية لاضطراره للذهاب إلى تركيا بوتيرة ما كان ليضطرّ إليها لو كانت زوجته معه. يقول سامح: "اضطرّ للذهاب إلى تركيا شهر أي شهر لأ وهذا يرهقني... لأيمت بيضل الواحد بهادا الوضع؟".مصلحة الهجرة "المتعاطفة"تواصل فريق "أكتر" بصفته الصحفية مع مصلحة الهجرة، فكان ردّهم "متعاطفاً" مع حالة سامح ومن يشبهه، ولكنّ ردّهم في الحقيقة لا يشفي الغليل.جاء في الرد: "... عموماً من المفهوم أن يشعر الناس بالإحباط لأنّ عليهم انتظار قرار، سواء في هذه الحالة خاصة أو في الحالات المشابهة. لكنّ الأوضاع مختلفة، وهناك الكثير من العوامل التي يجب على مصلحة الهجرة أن تراعيها. مثال: يمكن أن يكون الشخص صاحب الطلب بانتظار المقابلة مع السفارة السويدية في الخارج... أخيراً، لدينا حالياً الكثير من الطلبات من أجل تصريح إقامة، ما ينتج عنه في النهاية أنّ على الناس الانتظار لحين مجيء دورهم".إذاً حصلنا على ذات الرد الذي يحصل عليه أصحاب الطلبات، مع بعض التوسّع فيه لكوننا جهة صحفية. لكن ربّما ليس علينا أن نعتبر مصلحة الهجرة هي المسؤولة بالكامل عن هذه المشاكل، فالتشديد وتقليص تمويل مصلحة الهجرة هو جزء من السياسة السويدية الحكومية في السنوات الأخيرة.في تقرير لمكتب الإحصاء السويدي صادر عام 2019 عن التوقعات بزيادة عدد سكان السويد، كان التقرير واضحاً بالقول بأنّ الإقامة المؤقتة وشروط لمّ الشمل المشددة ستخفف من زيادة عدد المهاجرين في السويد!ورغم عدم ذكر التقرير لعدد الحالات التي تمّ فيها رفض لمّ الشمل، فقد ذكر بأنّه بعد عام من تطبيق قانون السماح بالدراسة الثانوية (كمثال) في العام 2018، رفضت مصلحة الهجرة 14,500 طلب، ووافقت فقط على 5200 طلب، وتركت 4000 طلب دون بت حتّى وقت إعداد التقرير.بالنسبة لسامح فهذا الوضع لا يحتمل، فهم برأيه تارة يشددون القوانين، ثمّ يلتفون عليها. يرى سامح بأنّ تشديد القوانين كان يجب أن يسرّع الطلبات ودراستها لكونهم "غربلوا" الكثيرين مسبقاً بإصدارهم هكذا قوانين، ولكن ما حدث أنّ المواعيد لم تتغيّر. يقول سامح منزعجاً: ألا يعني تقيدنا بالقوانين وحصولنا على الجنسية أنّ لنا حقوق؟ كلّ ما نريده أن يدرسوا طلبنا ويحددوا لنا مواعيد مقابلات. ليست هذه مشكلتي وحدي، بل مشكلة كثيرين يعانون من معاناتي ذاتها.