عبد السلام: السويد أعطتني الفرصة لأطور نفسي وأصبح أفضل
أخبار-السويدAa
عبد السلام ناجح في السويد
يحاول جميع المهاجرين الواصلين إلى السويد تحقيق إنجاز ما، قد يكون هذا الإنجاز الاستقرار العائلي، وقد يكون إيجاد فرصة عمل أفضل، وربّما مكانٍ يمارسون فيه هواياتهم وآرائهم بأمان. من هنا جاء حديثنا مع عبد السلام النعيمات، سوريّ الأصل الذي وصل إلى السويد في النصف الثاني من عام 2015، وتمكّن الدراسة والنجاح في جامعة مالمو باختصاص (Socionom programmet)، لنتعرّف على تجربته ونجاحه والصعوبات التي واجهها.
الرحلة إلى السويد
كان عبد السلام قد بدأ دراسة الحقوق في سورية ومضى عليه عامان، عندما لم تساعده الظروف في البلاد لإتمام دراسته، وبدأت رحلته إلى السويد. طبعاً لم يصل فوراً، بل عانى مثل الأغلبية حين سافر في البدء إلى لبنان، ثمّ إلى تركيا، وبعدها رحلة المشي والقارب إلى اليونان، وصولاً إلى السويد.
لماذا برنامج العلوم الاجتماعية
عندما وصل عبد السلام إلى السويد، سكن عاماً كامل في الكامب في منطقة يصفها بأنّها "معزولة جداً" عن العالم، وبعيدة عن الناس. يقول: "عندما تأتي من منطقة مشتعلة بالحرب، وتجلس فجأة في هدوء شديد وأمان شديد، تأتيك أسئلة اكتشاف النفس، أو كما وصفها (إعادة ترتيب الأبجدية). لست الوحيد الذي عاش هذه المشاعر بالتأكيد، فجميع من عاش هذه التجربة يفكّر بالمثل. ولكن الخلاصة أنّ هناك أفكار استعمرت تفكيري عن كيفية بناء المجتمع، وكيفية تفكير الناس، وما هي النظريات التي تحكم النفس والنظريات الخاصة بالمجتمع، ولهذا وقع اختيار على دراسة العلوم الاجتماعية (Socionom programmet)".
وقد أضاف عبد السلام سبباً آخر جعله يختار دراسته: "هناك سببٌ آخر مهم لاختيار هذه الدراسة، فأنا أريد شيئاً أسهل وأسرع من غيره للدراسة، ويناسب سوق العمل بحيث لا أعلق فيه في الجامعة خمسة أعوام، فكان برنامج العلوم الاجتماعية مناسباً هنا، بل الأمث، لأنّه مطلوب في سوق العمل، ففيه علم اجتماع وعلم نفس وحقوق".
التحديات الأبرز
لا يمكن لأحدٍ النجاح، سواء في السويد أو في أيّ مكانٍ آخر، ما لم يواجه الصعوبات ويتمكّن من التغلّب عليها. وفي السويد بالتحديد، البعض يواجه صعوبات شديدة، بينما آخرون تكون صعوباتهم أقل. فما هي الصعوبات التي واجهها عبد السلام؟
يقول عبد السلام بأنّ اللغة كانت هي التحدي الأكبر الذي واجهه، فكما يشرح: "بمجرّد وصولك، منذ وجودك في الكامب، يكون عليك أن تدرس بسرعة اللغة السويدية، وعليك أيضاً أن تكمل الإنكليزية، بغضّ النظر عن تداخلهما وصعوبة تحقيق الأمر في عامين ونصف. وليس ذلك فقط، بل بمجرّد الدخول إلى الجامعة يكون عليك تعلّم مصطلحات جديدة خاصة ولغة أكاديمية خاصة بالحقوق وعلم الاجتماع شديدة الصعوبة".
ورغم أنّ اللغة هي التحدي الأبرز الذي واجه عبد السلام، فلم يكن هو التحدي الوحيد. يشرح عبد السلام مدى صعوبة التأقلم الثقافي في السويد على المهاجرين، أو كما سمّاها (الأكواد الثقافية). يقول عبد السلام أنّ المشكلة ليست فقط في الاختلاف الثقافي مع السويديين، بل أيضاً مع المهاجرين الآخرين، وخاصة أولئك الذين كبروا وتربوا في السويد، بما في ذلك العرب منهم. والمشكلة كما يقول عبد السلام، ليست مشكلة السويديين فقط، بل مشكلة المهاجرين أيضاً، فكلاهما غير قادر أحياناً على فهم ثقافة الآخر.
ورغم أنّ عبد السلام يؤكد أنّ لديه محيطه الاجتماعي، وأصدقائه من السويديين والمهاجرين، فهو يعلم أنّ هذا لم يكن أمراً سهلاً من جهة، وأنّه لا ينطبق بالضرورة على تجربة الجميع من جهة أخرى. يبدو أنّ الاختلاف الثقافي يمكن احتماله طالما لم يتحوّل إلى صدام، وهو ما يؤكد عبد السلام أنّه لم يضطرّ للمرور فيه.
الموازنة بين الدراسة والحياة العائلية
لدى الكثيرين مشكلة الموازنة بين الحياة العائلية والدراسة، وهو الأمر الذي أقرّ عبد السلام بصعوبته، فقد كان مشغولاً جداً طوال فترة دراسته، وكان لديه عقد عمل ثابت في بلدية مالمو حيث كان يداوم في المساء. لكنّ المشكلة بدأت تكبر أكثر لدى عبد السلام بعد زواجه. فبعد نجاحه في الفصل الأول في الجامعة، تزوّج وأنجب طفلين. المشكلة هي في إيجاد الوقت لقضائه مع العائلة.
يقول عبد السلام: "ليس من السهل أن توازن بين كونك تدرس وتعمل في الوقت ذاته، وأن تجد الوقت اللازم لتعطيه لعائلتك، خاصة أنني من الأشخاص الذين لا يحبون الاقتراض من الـCSN طالما أنّ لديّ الفرصة لعدم فعل ذلك. لكن من الأشياء التي ساعدتني على أن أجد التوازن هو تفهّم العائلة لما أمرّ به، والأمر الآخر الذي ساعدني هو معرفتي المسبقة بالكثير من المراجع التي درسناها، مثل فرويد، ما عنى بأنّ الجهد الذي بذلته هو جهد المراجعة، وبالتالي كان لديّ الوقت لأقضيه مع عائلتي".
المستقبل
ماذا عن المستقبل؟ كيف يخطط عبد السلام بعد حصوله على شهادة البكالورويوس في العلوم الاجتماعية أن يفعل في حياته؟ كان الردّ الأولي له: "ما بعرف"، ثمّ استجمع نفسه وفكّر أكثر في السؤال وقال: "هناك أحاديث وخطط للمستقبل، منها أنني حصلت على عقد عمل في بلدية مالمو في برنامج Ung Malmö الذي يعمل مع الأشخاص الذين يتراوح عمرهم ما بين 18 و29 عام، الذين لا عمل لديهم ويجدون صعوبة في إيجاد عمل. أريد التركيز على هذا العمل، فدوري فيه هو المرشد للأشخاص في تحديد الدراسة أو التدريب الذي يجب عليهم أن يخوضوه للدخول في سوق العمل".
أضاف: "لديّ أيضاً براكتيك للعمل كمعالج أسري سيبدأ في الخريف، أريد أيضاً أن أجرّبه، فهو سيعطيني خبرة تمكنني من العمل في هذا المجال الذي أرى بأنّه هام بسبب ما نشهده من مشاكل ضمن عوائل المهاجرين العرب، وأغلب هذه المشاكل ثقافية بسبب عدم قدرة الكثيرين ممّن مضى على وجودهم في السويد أكثر من عشرة أعوام أحياناً دون القدرة على العيش بشكل طبيعي في البلد، والذين يتقوقعون على أنفسهم حتّى الآن".
كيف نستفيد من تجربة عبد السلام؟
لأنّ تجربة عبد السلام فيها محطات مضيئة قد نخرج منها بعبر مفيدة لنا جميعاً، طلبنا منه أن يعطي نصيحة للشباب الذين يمرون بالمراحل التي مرّ فيها ذاتها. يقول في هذا الخصوص: "بصراحة بزعل بزعل يعني جداً جداً جداً لما شوف حدا موجود بالسويد مع كلّ الإمكانات والفرص ولا يعمل لتحسين وتطوير نفسه".
يضيف عبد السلام بنوع من حرقة القلب على من يضيعون عمرهم في "تمشاية الحال" قائلاً: "لا يهم إن كان عمرك 20 أو 25 أو 30 عام، ولا يهم إن كنت من الواصلين الجدد إلى السويد، أو أنّك تربيت هنا، لا يجب أن تقبل بعدم العمل أو العمل من أجل مجرّد تمشاية الحال والعمل من أجل المال فقط. السويد تمنحنا الفرصة لندرس ونتدرّب ونطور أنفسنا، والهدف هو بناء النفس، فالدراسة هي استثمار في شخصك وذاتك، ولو استغرق منكم الأمر 5 و 6 أعوام، فهذا ليس وقتاً ضائعاً، وسوف تشعر بالفرق عندما تنتهي منه"