عندما مات السويديون من الجوع ورفضت الحكومة مساعدتهم
أخبار-السويدAa
منصّة «أكتر» السويد
في 23 حزيران/يونيو عام 1867، كتب رجل عاش في Skellefteå في مقاطعة Västerbotten شمال السويد: «لا يبدو أنّ الشتاء سينتهي... لا يمكنك رؤية أيّ غصن أخضر في الغابة، ولا ورقة خضراء على الأرض». لكن بعد بضع ساعات من اليوم ذاته، هبّت الرياح الدافئة من الجنوب، لتنهي ما سمته الصحف في حينه: «المحنة الأسوأ» في شمال السويد، والتي أدّت لموت الكثيرين من الجوع.
لكن لم يكن يعلم من عاش في تلك الفترة، بأنّ الأسوأ قادم...
شتاء الصيف
في منتصف ليلة 18 تموز/يوليو 1867، بدأ البرد يتسرّب إلى شمال السويد، وهاجم الصقيع السميك الغابات، وباتت المباني مطليّة بلون الثلج الأبيض.
بدأت ليالي الصيف تصبح مأساة بدرجات حرارة أدنى من الصفر، مع عدم تمكن الأيادي اليائسة من إنقاذ المحاصيل التي دمرها الصقيع والبرد. ذهب كدح الفلاحين سدى، والآمال تبددت بشكل أسوأ ممّا يمكن تخيله.
مشكلة عامة
لم يكن سكان شمال السويد ممّن اختاروا الزراعة في الطقس البارد، ولكنّ الحياة قذفت بهم هناك. فقد كانت مشكلة التفاوت بالثروة بين من يملك الأرض ومن لا يملكها مشكلة تتفاقم في كامل السويد. فكان الفلاحون الذين لا يرثون الأرض، ينتهي بهم الحال كخدم في المنازل أو كمتسولين في الطرقات.
قرر معظم الذين رفضوا أن يصبحوا خدماً أو متسولين، الذهاب والاستيطان شمال السويد. بينما قرر آخرون الهجرة إلى أمريكا، لكنّ أعدادهم كانت صغيرة بسبب التكاليف المرتفعة للسفر وعدم أمانه.
مجرّد كسالى...
عندما كانت تضيق الحال بالفلاحين السويديين بسبب الطقس السيء أو الأوبئة، كانوا يطلبون عون الحكومة. ولكن الحكومة لم تكن دوماً جاهزة لمد يد العون. وفي القرن التاسع عشر، ومع رواج الأفكار الليبرالية بين من يحكمون السويد، كانت الحكومات مصممة على أنّ قوى السوق يجب أن تعمل دون تدخل من الحكومة.
ضمن هذا السياق، في خريف 1876 المرير على السويديين، قام أوغوست فيدنيلم August Weidenhielm، حاكم Västernorrland، بالطلب من حكومة ستوكهولم عدم تقديم مساعدة طارئة للبلديات المتأزمة في مقاطعته.
كتب الحاكم في طلبه الرسمي من الحكومة المركزية: «إن ساعدتموهم الآن، فسيتعين عليكم مساعدتهم من جديد العام القادم... فادعاءاتهم وشكاويهم مشكوك في طبيعتها».
لا مساعدات!
كانت حكومة ستوكهولم بدورها غير راغبة بتقديم المساعدة. لكن في النهاية تم اتخاذ قرار بأن يحصل الناس في المقاطعات الضعيفة (Norrbotten, Västerbotten, Västernorrland, Jämtland, Gävleborg, Dalarna ) على جزء من برنامج الإنقاذ الحكومي.
لكن، ولأنّ «الحلو ما يكملش» كما يقول المثل المصري، لم يتم منح المساعدات بشكل مباشر، بل على شكل قروض يجب سدادها بشكل سريع. ما عنى بأنّ الذين حصلوا على المساعدات هم فقط من يتمكنون من إعادتها، وليس من كانوا بحاجتها بشدّة.
التبرعات الخارجية بمقابل
عندما انتشر الخبر حول العالم، بدأت المساهمات والتبرعات من ألمانيا والنرويج وروسيا والولايات المتحدة وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا تأتي لمساعدة السويديين، على شكل نقود وغذاء.
لكن حتّى عند وصول كميات كبيرة من المساعدات إلى ستوكهولم، لم يحصل الناس على المساعدات كما ينبغي، فالمشكلة كانت عقيدة التوزيع.
كان يتم إجبار طالبي المساعدة على القيام بأعمال مقابل الحصول على المساعدات، مثل الطلب إلى النساء حياكة الملابس مقابل الغذاء، أو الطلب للرجال أن يصنعوا الأدوات الخشبية. تمّ تبرير الأمر بأنّ المساعدات بلا مقابل ستعني تشجيع الفقراء على أن يكونوا كسولين ومدللين.
الجوع من جديد
في كانون الثاني/يناير 1868، عندما لم يعد بالإمكان إيصال الغذاء إلى المناطق التي تجمدت طرقاتها، كانت بعض المقاطعات قد تخطت مرحلة الخطر، لكن في مقاطعات مثل Västerbotten، بات الأمر أسوأ.
كان الناس يعانون من الجوع لدرجة تمنعهم حتّى من جرّ أنفسهم على الأرضية. وصلت نسب الوفيات في بعض الأماكن إلى خمس أو ست أضعاف النسب في الأوقات الطبيعية.
مات الآلاف، ومرض عدد لا يحصى من البشر، وبقي الناس المفجوعون أمام ديون يجب عليهم سدادها.
الجفاف
في صيف 1868، بدأ الشمال السويدي يشعر بالدفء، وبدأت غلال المحاصيل تصبح أكبر. لكنّ الأمر مختلف في جنوب السويد ووسطها، حيث كانت الشمس حارقة، والجفاف بدأ يضرب.
لكن عندما طلبت مقاطعات مثل (Kronoberg, Gotland, Blekinge) العون من الحكومة في تشرين الثاني/نوفمبر من ذلك العام، كان جواب الحكومة بسيطاً: «لا».
انتشرت الأزمة والمجاعة بشكل كبير في جنوب ووسط السويد، فتحوّل الناس إلى التسوّل والسطو بشكل كبير لم تشهد البلاد مثله من قبل. وبدأت الهجرة من البلاد بأعداد كبيرة.
الحكومة المتأخرة
لم تقرر الحكومة منح المساعدة للمتضررين إلّا في آذار/مارس 1869، لكنّ قراراتها جاءت متأخرة.
كان الناس قد ماتوا بأعداد كبيرة نتيجة الضعف والمرض بسبب المجاعة. في 1869، مات 14 ألف إنسان بسبب الجوع.
في السنوات الثلاث مات أكثر من 27 ألف إنسان، وتقلصت نسبة الولادات بحوالي 60 ألف طفل. الأمر الذي أثّر على عدد سكان البلاد بشكل كبير لسنوات قادمة.
هل يمكن أن تترك الحكومة السويدية اليوم الناس ليموتوا جوعاً أو برداً بدعوى أنّ السوق يجب أن تحكم؟