Aa
خاص أكتر - السويد
قبل أيّام نشرت منصة "أكتر" قصة صحفية حول حرمان جنود سابقين في الجيش السوري والعراقي، والليبي أيضاً، من الجنسية السويدية لـ 25 عاماً بذريعة أن الجيش في هذه الدول كان منظمة ارتكبت أفعالاً وممارسات تنتهك حقوق الإنسان. بمجرد نشر المادة، امتلأ صندوق الرسائل الخاص بالمنصة برسائل ومشاركات من أشخاص آخرين طالهم قانون الحرمان من الجنسية. حيث طلب هؤلاء إيصال صوتهم ونقل وجهة نظرهم.
نحن خسارة للمجتمع السويدي
أول ما استوقفنا في حكايات المحرومين من الجنسية الذين تواصلوا معنا، أن عدداً كبيراً منهم بذل جهداً كبيراً في الاندماج مع المجتمع السويدي عن طريق الانخراط في سوق العمل أو تعلّم اللغة السويدية بوقتٍ قياسي. يقول مصطفى بشير الذي يعمل موظفاً في شركة بريد سويدية إن قرار الحرمان يستهدف من وجهة نظره "فئة الشباب التي تعمل وتدفع الضرائب ولم تأت لتعيش على المساعدات" ويضيف أن قراراً كهذا يجعل السويد تخسر فئة شابة تملك الكثير من الطاقات، فالكثير من الشبان الذين يعرفهم يفكرون الآن بترك السويد بعد أن بدأوا بتأسيس حياة مستقرة فيها. في حين يتساءل وائل الذي تخرج من جامعة مالمو ويعمل الآن في روضة أطفال، "كيف اعتبروني إرهابياً وسمحوا لي في العمل بروضة؟". في حين قدم محمد الدخيل إلى السويد عام 2015 واستطاع تعّلم اللغة السويدية خلال سنة، وقام بتعديل شهادته في التمريض وأنهى امتحان التعديل من أول محاولة، ليتم توظيفه عام 2018 بمشفى لينشوبينغ. لكنه الآن يُحرم بعد هذا كله من الجنسية. أما علي دركلي الذي يعمل الآن مدرباً للتزلج واقتصرت خدمته في سوريا على 21 يوماً يقول بأن القرار الجائر حطم معنوياته وأحلامه وحرمه من اللقاء بأهله بعد سنوات من الانتظار لأنه لا يستطيع مغادرة السويد خوفاً من فقدان إقامته.
السويد خانت ثقتنا
تنطوي قصة الحرمان من الجنسية على بعد شديد الأهمية يتعلق ببناء الثقة والمصداقية بين اللاجئين من جهة وبين السويد كبلد استضافهم وقدّم لهم حق اللجوء والإقامة. فكثيرون يشعرون الآن أن الحكومة السويدية عاقبتهم على مصداقيتهم وقرارهم بمشاركة معلومات دقيقة وصحيحة حول ماضيهم. وهي معلومات كان يمكن لهم تزويرها أو إخفاءها لو أرادوا ذلك. وهذا على الأمد البعيد أمرٌ يضر ببناء مفهوم المواطنة، ويؤثر سلباً على الشفافية والمصداقية ضمن المجتمع السويدي.
يقول أحمد الأخرس الذي انشّق من الجيش السوري عام 2012 وحصل عام 2015 على لجوء سياسي في السويد: " أشعر بالظلم. نحن اخترنا الانشقاق لأننا نرفض الظلم، أنا لا أحب سفك الدماء، أتيت مع عائلتي إلى هنا لنعيش بأمان. حرمونا 25 سنة لأننا قلنا الحقيقة بصراحة، ولأننا لم نكذب هم قرروا معاقبتنا"، ويضيف أحمد أن هناك عسكريين آخرين يعرفهم كانوا منشقين مثله من الجيش لكنهم لم يمتلكوا اثباتاً عن هويتهم وهؤلاء مثلاً تم منحهم الجنسية. أما طارق البرهو (30 عاماً) فأكمل خدمته العسكرية الإلزامية في سوريا بعد أن نال خدمات ثابتة في مقسم تابع للجيش لأنه يعاني من مرض ربو مزمن، لكنه ورغم ذلك كان بنظر مصلحة الهجرة السويدية "مجرد عسكري" في منظمة تمارس انتهاكات بحق الإنسانية. وعن حرمانه من الجنسية يقول: "لو أنني اخترت الكذب كنت أستطيع ألا أذكر خدمتي العسكرية في سوريا، أنا الآن في الثلاثين من عمري، بعد 25 عاماً أكون في الخامسة والخمسين، ما حاجتي للجنسية حينها؟". في حين يستذكر فادي الشامي خدمته العسكرية التي بدأت، رغماً عنه، حينما تم إلقاء القبض عليه واقتيد قسراً للخدمة العسكرية، ويقول إن اتخاذ قرار الهروب من الجيش لم يكن سهلاً وانطوى على قدرٍ كبير من المغامرة. لكنه يضيف معلقاً بأسى: "أشعر أنهم يعاملونني كمجرم رغم أنني رفضت الاجرام، هم الآن يعاقبونني على الهروب".
ماذا كنت ستفعل لو كنت مكاني؟
في وقت سابق كان فريق "أكتر" قد تواصل مع المكتب الإعلامي لمصلحة الهجرة السويدية طالباً توضيحات لأسباب الرفض، وجاء الرد بالإشارة إلى قانونٍ صدر عام 2004 (Ju2003 / 262 / IM) ينص على "عدم منح الجنسية لأي شخص كان له نشاط أو تأثير في منظمة مارست انتهاكات منهجية وواسعة النطاق وخطيرة لحقوق الإنسان مثل التعذيب والقتل والإعدام خارج نطاق القضاء". ويضيف المكتب الصحفي أنه وعلى ضوء حكم محكمة العدل الأوروبية(C238-19) الصادر في 19 تشرين الثاني 2020، اتخذت مصلحة الهجرة السويدية قراراً باعتبار الجيش السوري منظمة مارست هذا النوع من الانتهاكات بحقوق الإنسان.
فلنفترض جدلاً أن أحد المحققين السويديين من مصلحة الهجرة ولد ذكراً غير وحيد في بلدٍ مثل سوريا كانت فيه الخدمة العسكرية إجبارية، بحيث يعاقب عن التخلف من الخدمة العسكرية بمضاعفة سنوات خدمته. وفي حال فراره يعاقب بالسجن عاماً كاملاً في سجن تدمر، إن لم يتم قتله وتصفيته باعتباره خائناً زمن الحرب. لو أن هذا المحقق وجد نفسه في ظرف كهذا ماذا كان سيفعل؟
المثير للاستغراب أن كل الإجابات ستبدو خاطئة بالنسبة لمصلحة الهجرة السويدية فالجميع بنظرها يستحق العقاب: من أكمل خدمته العسكرية حتى تسرّح، ومن انشق وهرب، ومن مارس خدمات ثابتة، ومن عمل ممرضاً في مستشفى عسكري، ومن خدم سبعة أيامٍ فقط، حتى أن هناك أناساً حرموا من الجنسية رغم أن خدمتهم العسكرية انتهت قبل سنوات من بدء الحرب السورية ذاتها.
في حال مشاركة المقال أو القصة يرجى ذكر المصدر أكتر لأخبار السويد مع ذكر الموقع WWW.AKTARR.SE