محمد: سوري سلّم شبكة دعارة ورفض أخذ مكافأة من الشرطة
 image

عروة درويش


null دقائق قراءة

أخر تحديث

محمد: سوري سلّم شبكة دعارة ورفض أخذ مكافأة من الشرطة

منوعات

Aa

محمد: سوري سلّم شبكة دعارة ورفض أخذ مكافأة من الشرطة

محمد حسن مهاجر قرر أنّ من واجبه أن يترك أثراً إيجابياً في المجتمع الذي احتضنه، فواتته الظروف لمساعدة الشرطة في إيقاف نشاط شبكات دعارة وتهريب بش، ورفض تلقي مقابل على عمله. قد يكون محمد خجولاً في التعبير عن فعله الطيب، ولكنني أنوي أن أعرض عليكم تفاصيل مثال يحتذى. لنتعرّف على قصة محمد من لسانه ولسان مدير الفندق كريستوفر.

وصل محمد حسن إلى السويد من سورية في 2016، ولم يمضِ عليه سوى 6 أشهر حتّى وجد عملاً في فندق سبوتون Spoton في يوتوبوري، في الاستقبال. 

أثناء أزمة كورونا انخفض العمل في الفندق بنسب تجاوز الـ 90٪، ولكن بالمقابل ازدهرت الدعارة. بدأ محمد بملاحظة الأمر، وكان إثبات ذلك شديد الصعوبة بسبب القانون السويدي الذي ينصّ على أنّ بيع الجنس مسموح، ولكن شراءه والترتيب له يعدّ جريمة.

بلّغ محمد الشرطة عن الأمر، وبدأ بمراقبة المكان والتعاون مع مجموعة الشرطة التي باتت مسؤولة عن الأمر، ليستمرّ هذا التعاون لعامين تمكّن من خلالها من المساعدة في تقليص نشاط الدعارة والإتجار بالبشر في يوتوبوري بشكل هائل. سمح نشاط محمد المتفاني للشرطة بالحصول على دلائل ثابتة ما كانوا ليحلموا بالحصول عليها لولاه، الأمر الذي عنى قدرتهم ليس على إيقاف بضع مومسات تقمن بالبغاء، بل أيضاً شبكات دعارة وتهريب بشر سقطوا كأحجار الدومينو بعد ذلك.

لن أقبل المال!

كان شرط محمّد حتّى يتعاون مع الشرطة ألّا يأخذ منهم المال. ورغم أنّ البعض - مثل مديره كريستوفر - يرى بأنّ هذا من حقه، فقد كان محمد واضحاً في رفضه تقديم أيّ مساعدة في حال الحصول على مال. سألتُ محمد عن السبب فكان جوابه: «أنا تعاونت معهم بنيّة القيام بشيء جيّد للمجتمع الذي أعيش فيه، وجعله مكاناً أفضل. أمّا لو أخذت المال فسيكون هدفي مختلفاً، وهو ما أرفضه بشكل تام».

سألنا كريستوفر مدير الفندق عن رأيه برفض محمد أخذ المال فأجاب: «في النهاية هذا قراره الشخصي، ولكنني أرى أنّ من حقّه أن يحصل على مكافأة على عمله. ربّما ليس مالاً، ولكن كان عليه أن يتلقى تعويضاً على فعله الجيد».

الصواب أولاً

إذا ما نظرنا إلى الزمن الذي حدث فيه الأمر، سنكتشف أنّ الفندق كان يعاني ليبقى مفتوحاً بدون زبائن، ولهذا فخطوة التبليغ عن نشاطات الدعارة ومساعدة الشرطة في إيقافها عنى بأنّ الفندق يخسر "زبائن" إضافيين: زبائن محتملين أكثر في حال تغاضى عن الأمر.

قلتُ لكريستوفر أنّ ذلك كان عملاً شجاعاً، ولكن ربّما الشعبية التي بات يحظى فيها الفندق بسبب عمله قد يعوّض عن هذه الخسائر، خاصة أنّ عدداً من وسائل الإعلام قد غطّت الموضوع، كلّ من زاويتها. وافق كريستوفر على ما قلت، ولكنّه أضاف: «في الواقع الأكثر أهميّة هو أن تساعد تغطية القصة على نشر حقيقة أنّ الفنادق قادرة على مكافحة ظاهرة الدعارة ونشرها، وليس عليها أن تكون سلبية تجاه الأمر».

كان محمد بدوره سعيداً بسبب تمكنه من المساهمة في الأمر، فهو يشعر بأنّ من حقّ المجتمع الذي نعيش فيه أن نساهم في جعله أكثر أماناً وأكثر أخلاقاً. علاوة على ذلك يدرك محمد بأنّ معظم الفتيات اللواتي كنّ يمارسن البغاء كنّ يتعرضن لضغوط للقيام بذلك مستفيدين من إمكانية تهربهم من الأمر.

المضايقات والتهديدات

رغم عدم قبول محمد بالمال مقابل عمله، لم يسلم من المضايقات. فكان البعض يهاجمه صراحة، بينما يقوم آخرون برمقه بنظرات سوء. في الحقيقة لا يمكنني فهم موقف هؤلاء، فمحمد من وجهة نظري شخص ساهم في إنفاذ القانون، والأهم من ذلك في إيقاف معاناة نساء يتمّ استغلالهن.

يشرح محمد وكريستوفر بأنّ غالبية النساء اللواتي كنّ يعملن بالدعارة كنّ قادمات من خارج السويد، وهذا ما جعلهما بعد فترة يكونان صورة نمطية عمّن يجب مراقبته، وعمّن سيكون على محمد أن يبذل الجهود ليجمع الدلائل عنه.

ولكنّ المشكلة الكبرى أنّ الأمر يحتاج مراقبة متأنية وطويلة المدى للكاميرات الموجودة في الأروقة والبهو من أجل معرفة الأوقات. يقول محمد: "كنت اضطر لمراقبة الموضوع لتسع ساعات متواصلة فأنا غير قادر على الشكّ بالجميع، وعليّ أن أراقب في حال كان هناك مؤشرات على البغاء. ثمّ كان على الشرطة أن تنتظر لأوقات طويلة حتّى يجيء الوقت المناسب ليتمكنوا من إثبات جرم الدعارة بدلائل ثابتة".

يقول محمد مازحاً: «لم أكن أتصل بالشرطة إلّا بعد أن أتأكد من ريبة الأمر وجمع ما يكفي من الأدلّة، فحساسيّة الموقف بالنسبة لي وللفندق وللشرطة لم تكن قابلة للتعامل معها بدون تدقيق... يبدو أنني أصبحت أملك حسّاً أمنياً».

الأمر الآخر الذي يجعل محمد فخوراً، هو إدراكه بأنّ جهده لم يكن لتسليم حالات فردية فقط، بل شبكات دعارة كبيرة مرتبطة بمواقع متعددة. يقول محمد: «لقد كتبوا في بعض المواقع التي تبيع الجنس وترتب للدعارة بأنّهم عرفوا من الشخص الذي كان يوقع بهم، لكنني لم أتلقَ أيّ تهديدات ولا أشعر بالخوف منهم».

أحلام محمد

برأيي محمد هو مهاجر فاعل آخر في المجتمع، ولهذا لم أرغب بأن يتركز كامل حديثي معه حول مساهمته في إيقاف الجريمة، بل أردتُ التعرّف عليه أكثر. ما الذي يحلم به محمد اليوم؟ يحلم محمد بأن يكون لديه عمله الخاص. يقول: «أنا سعيدٌ في عملي، ولكنني أحلم بأن يكون لي عملي الخاص في مجال الفنادق أو السياحة، وهذا ما أحرص على التحضير له».

بالنسبة لكريستوفر، يجب على بقيّة الفنادق أن تحذو حذوهم، وهو الأمر الذي يرى محمد بأنّه ترك أثراً إيجابياً حتّى بين من كانوا يوجهون له اللوم. يتمنى محمد من الجميع أن يبحثوا عن طريقة لترك أثر إيجابي يعكس حقيقة المهاجرين، وألّا يميلوا للانعزال.

بالنسبة لي ما قام به محمد يستحق الثناء، وقد كنتُ سعيداً بلقائه والتعرّف إلى قصته. ففي نهاية اليوم، الدعارة هي عمل، والذين ينتفعون من هذا العمل هم الشبكات والقوادون الذين يديرونه، بينما الفتيات اللواتي يمارسن البغاء فهنّ مجرّد حلقة صغيرة فيه، وهذه الحلقة تستحق أن تحظى بإعادة التأهيل عبر القنوات القانونية والمجتمعية.

شارك المقال

أخبار ذات صلة

لم يتم العثور على أي مقالات

المزيد

ستوكهولم
مالمو
يوتوبوري
اوبسالا
لوند
لم يتم العثور على أي مقالات