في زمن تتعالى فيه أصداء الثورات وتتشابك فيه الحكايات بين الأماني والتحديات، يظل السينما وسيلة فعالة لتوثيق الأحداث وترويجها. ومن هنا، تأتي أهمية الأفلام الوثائقية التي تعكس واقع الناس ومعاناتهم. كرار العزاوي، المخرج العراقي الشاب، هو نموذج لمبدع عربي تمكن من نقل تلك الصورة إلى العالم، رغم كل التحديات التي واجهها. انضموا إلينا في رحلة حوارية معه عبر منصتنا "أكتر" لاكتشاف أعماق قصة نجاحه ومسيرته في عالم السينما.من هو كرار العزاويأدعى كرار العزاوي، مولود في عام ١٩٩٤، من مدينة بغداد العراقية. حصلتُ على شهادتي من كلية السينما والتلفزيون بالنرويج مؤخراً، من الجامعة النرويجية الداخلية للعلوم التطبيقية Inland Norway بمدينة ليلهامر النرويجية.تنقلت مسيرتي المهنية في عالم السينما والأفلام الوثائقية منذ عام ٢٠١٦، حيث بدأت خطواتي الأولى من مخيم للاجئين باليونان.المخرج العراقي كرار العزاويالبدايات المتواضعة والطريق نحو النجاحأنتجتُ فيلمي الوثائقي الأول بعنوان "Just Crumbs" خلال إقامتي بخيمة داخل مخيم للاجئين باليونان في عام ٢٠١٦. منذ ذلك الحين، تطورت مهاراتي في فن السينما والإخراج، حيث أدرجت العديد من الأفلام القصيرة تحت اسمي، التي نالت تقديراً في مهرجانات متنوعة وتم بثها عبر قنوات نرويجية متعددة، ونظمت أيضاً معارض تصوير فوتوغرافي دولية تحت مسمى "منسي" في عدة دول أوروبية، سعياً لرفع الوعي حول معاناة اللاجئين حول العالم.الفيلم الطويل الأول "بغداد تثور"وآخر أعمالي هو فيلمي الطويل "بغداد تثور"، حيث كانت قناة الجزيرة أحد المنتجين للعمل وقد تم عرضه على قنوات عدة عالمية مرموقة. وأقيم العرض العالمي الأول للفيلم في مهرجان كوبنهاغن الدولي للأفلام الوثائقية، في 20 مارس/آذار من هذا العام حيث يصادف في ذلك اليوم الذكرى العشرين للاحتلال الأمريكي للعراق.كما أن الفيلم تم اختياره في مهرجان Nordisk Panorama film festival في مالمو وهوه من ضمن المنافسة على عدة جوائز. أسباب مغادرة العراق والإقامة في النرويجفي عام ٢٠١٦، اضطررتُ لمغادرة العراق نتيجة التهديدات التي واجهتها بسبب دوري الفعّال في التظاهرات والحراك الشبابي خلال السنوات ٢٠١٤ و٢٠١٥ ببغداد. وبعد فترة قضيتها في مخيم للاجئين باليونان، تم استقبالي وتوطيني في النرويج.من فيلم "بغداد تثور"تفاصيل عن فيلم "بغداد تثور"فيلم "بغداد تثور" هو عمل وثائقي طويل تدور أحداثه في بغداد خلال ثورة تشرين التي بدأت في عام ٢٠١٩. يقدم الفيلم نظرة عميقة ودرامية من خلال متابعته لطيبة، الشابة العراقية التي تبلغ من العمر ١٩ عاماً، وهي تناضل من أجل الحرية والمساواة ضمن جبهة النساء المشاركات في تلك الثورة، التي تعد من أكبر الاحتجاجات في تاريخ العراق المعاصر. ويسلط الفيلم الضوء على تحديات الشباب الذين وقفوا بوجه الفوضى والفساد والطائفية التي ولدت بعد الاحتلال الأمريكي للعراق في عام ٢٠٠٣.الرسالة وراء الفيلم والتجربة المصورةوعند سؤاله ما هي الرسالة التي يحاول نقلها من خلال فيلمه "بغداد تثور" وما الذي دفعه لاختيار هذا الموضوع بالتحديد؟ أجاب قائلاً: "من خلال "بغداد تثور"، أردتُ أن أوصل رسالة عن جيل من الشباب العراقي وكسر الصور النمطية عن المرأة العربية. كان الفيلم طريقتي في التظاهر والنضال مع الشباب العراقي وإيصال صوتهم إلى العالم".تحديات التصوير في ظل الظروف الأمنيةخلال عملية إنتاج الفيلم، تقدمت أمامنا تحديات لا حصر لها، بداية من التصوير وصولًا إلى مرحلة ما بعده. تعرضنا لنيران الميليشيات وبعض القوات المسلحة وسط الاحتجاجات، حيث كانت مهمتنا توثيق تجارب طيبة ورفاقها في ساحة التحرير، مواجهين في الوقت نفسه تحديات الحفاظ على سلامة فريقنا. ولقد اضطررنا لاختراق قواعد التصوير المشددة، مهرّبين الكاميرات والمعدات إلى داخل الموقع، بالنظر إلى أن التصوير كان محظوراً دون إذن من القوات المسلحة العراقية. رغم أن الموت كان يتربص بنا عن كثب، لم يزعزع إيماننا في أهمية تسليط الضوء على صوت الشباب العراقي، وكان ذلك دافعنا الأساسي.رؤية المخرج لمستقبله في عالم الإخراجوعند سؤال الشاب العراقي عن طموحه المستقبلي في عالم الإخراج، أجاب: "لدي الكثير من الطموحات وإحداها هو أن أروي قصص الشباب العراقي والعربي الذي يحب الحياة ويسعى لمستقبل أفضل. وأود أيضاً تجسيد الشعب العربي كإنسان لديه أحلام وأمل وقدرات عكس ما يحاول إظهاره وسائل الإعلام. في ذات الوقت، أود التركيز أكثر في أفلامي على نقد الذات العراقية والعربية من أجل التغيير والتقدم".تطلعات المخرج لمشروعه القادموأضاف: "حالياً، أعمل على فيلم جديد بعنوان "Dreaming Souls" يروي قصة فتاتين، واحدة منهما عراقية والأخرى نرويجية، كلتاهما مصابتان بمتلازمة داون. رغم الحلم الكبير الذي يجمعهما، يواجهان تحديات وصعوبات ينبغي تجاوزها قبل تحقيق طموحاتهما".في ختام هذا المقال، يبرز كرار العزاوي كمثال فريد على الشباب العربي الذي تمكن من تجاوز التحديات والصعاب التي واجهته في حياته، ليقدم لنا من خلال أفلامه رؤية غير تقليدية للمجتمع العراقي والعربي. تعكس أعماله رغبته في إيصال صوت الشباب وتحطيم الصور النمطية التي قد يكون لها تأثير سلبي على النظرة العامة نحو المنطقة. وبغض النظر عن التحديات التي قد تواجهه في المستقبل، يبقى العزاوي مصدر إلهام لجميع من يسعى لتحقيق النجاح وترك بصمة في هذا العالم.