إنّه السياسي السويدي الذي إن لم تخلده مواقفه، فقد خلده اغتياله المحيّر الذي يحوي احتمال جواسيس ومخابرات وشركات سلاح. انتقد الولايات المتحدة وشبّه أعمالها بالنازية، فجمدت علاقاتها بالسويد. اختبر النجاحات والخسارات السياسية، وقاد الاشتراكيين الديمقراطيين في ذروة نجاحاتهم.تعالوا نكتشف ضمن سلسلة شخصيات "أكتر" السويد من هو السياسي الأسطوري أولوف بالمه Olof Palme.Foto TTأولوف بالمهنشأته ودراستهولد أولوف في 1927 لأسرة من الطبقة الوسطى-العليا، حيث كان معظم أقربائه قساوسة أو سياسيين أو قضاة في السويد، وفي الجزء الناطق بالسويدية من فنلندا.توفي والد أولوف عندما كان عمره 7 أعوام، وكان طفلاً مريضاً اضطرّ لتلقي تعليمه على يد مدرّس خاص. تمكّن أولوف وهو طفل من التحدّث بلغتين أجنبيتين: الإنكليزية والألمانية. ثمّ عندما وصل إلى الثانوية، درس في واحدة من المدارس الداخلية القليلة في السويد، وتمكن من الوصول إلى الجامعة بعلامات ممتازة وهو بسنّ 17.أدّى الخدمة العسكرية الإلزامية بين عامي 1945 و1947، ووصل إلى رتبة نقيب احتياط في سلاح المدفعية.التحق بجامعة ستوكهولم بعد الخدمة، وذهب في منحة إلى كليّة كينيون في الولايات المتحدة، وبقي هناك حتّى عام 1948، حيث تخرّج وحمل درجة في الفنون. ثمّ عاد إلى جامعة ستوكهولم وحاز فيها على شهادة في الحقوق.بدأ بالمه بانتقاد رموز تحرير الاقتصاد ودراسة النقابات العمالية في الولايات المتحدة.نشاطه العمليعمل بالمه في 1953 في سكرتاريا رئيس الوزراء تاغ إيرلاندر، ثمّ في 1955 أصبح عضواً في مجلس إدارة شبيبة الاشتراكيين الديمقراطيين. كما كان عضواً في رابطة عمّال التدريس.انتخب في 1957 إلى البرلمان عن يونشوبينغ. وفي الستينيات أصبح عضواً في وكالة المساعدات الدولية NIB، حيث أصبح المسؤول عن طلبات المساعدة إلى الدول النامية، والمساعدات التعليمية.في 1963 أصبح وزيراً دون حقيبة وزارية، وفي 1965 أصبح وزيراً للنقل والاتصالات، وكان تطوير الراديو والتلفزيون ممّا شغل باله بشكل خاص، مع عدم السماح بإدخال المصالح التجارية إليهما.تسلّم في 1967 وزارة التعليم، وعاصر احتجاجات ومظاهرات طلابية مناهضة لإصلاح الجامعات، أدّت لاحتلال المتظاهرين لمبنى نقابة الطلاب في ستوكهولم.FotoTTبالمه رئيساً للوزراءأثار بالمه كرئيس للوزراء جدلاً بقي حاضراً إلى اليوم، لدرجة وضع صرح له في عاصمة تشيلي سانتياغو في 2020، وقيام مجهولين في آب/أغسطس 2021 بتدنيس قبره. استلم بالمه رئاسة الوزراء مرتين، واحدة من 1969 وحتّى 1976، وأخرى من 1982 إلى وقت اغتياله في 1986.من أبرز ما يُذكر عن بالمه انتقاده للولايات المتحدة ولحربها في فيتنام، وقبوله مجيء الجنود الفارين من الحرب إلى السويد. لكنّه لم يقبل منحهم وضع اللاجئ السياسي، حيث كان يقول: "لا يمكن للمرء أن يكون لاجئاً من بلد حر".نظر السويديون لبالمه إمّا بالحب، أو بالكراهية، دون حلّ وسط. لكنّ مقتله في أذهان السويديين، بغض النظر عن قناعاتهم السياسية، رمزٌ لتدمير "فكرة السويد المعاصرة".FotoOwe Sjöblom/SvD/TTاستلم بالمه رئاسة الوزراء مرتين، واحدة من 1969 وحتّى 1976، وأخرى من 1982 إلى وقت اغتياله في 1986.قبول منظمة التحرير الفلسطينيةوقفت السويد أثناء عضويتها في مجلس أمن الأمم المتحدة في 1975 و1976 في مواجهة الولايات المتحدة في عدّة قضايا. أولاها كانت التصويت لفرض حظر على توريد الأسلحة إلى جنوب إفريقيا أثناء حكم نظام الفصل العنصري.ومنها أيضاً التصويت بنعم للموافقة على ضمّ منظمة التحرير الفلسطينية إلى الأمم المتحدة.كما شارك بالمه بنفسه في محاولة الدفع نحو إيجاد حلول للصراع في الشرق الأوسط. إضافة لعمله كوسيط في الحرب العراقية-الإيرانية.وجّه الانتقادات إلى الولايات المتحدة، وكذلك للاتحاد السوفييتي، وأطلق مع دول أخرى "مبادرة الدول الستّ" في محاولة لوضع قاعدة لشكل تنظيمي لا يخضع لا للأمريكيين ولا للسوفييت.FotoBertil Ericsonالإصلاحأثناء وجود بالمه في رئاسة الوزراء، تمّ تطبيق إصلاحات دستورية كبيرة، بحيث تمّ تغيير آلية عمل الحكومة، وتثبيت الحكم البرلماني، وإلغاء ما بقي للملكيّة من سلطات.كما ساعدت إصلاحاته في سوق العمل على زيادة الأمن الوظيفي. كما ارتفعت معدلات الضرائب لتصبح الأعلى في العالم الغربي.تمّ التركيز أثناء حكمه على تعزيز وإنشاء مراكز رعاية الأطفال، والضمان الاجتماعي، وحماية المسنين، وأمان الحوادث، وحلّ مشاكل الإسكان. FotoINA / TTوتمّ إطلاق برامج إعادة توزيع هائلة للثروة، فاستفاد منها المهاجرون والمعاقون والفقراء والعوائل ذات الأهل العازبين وكبار السن. كما تمّ توسيع دولة الرفاه السويدية بشكل هائل.لكنّ فترة الحكم الثانية لبالمه اتسمت بالمشاكل الاقتصادية، وبدأ الاتجاه ناحية "طريق ثالث" بهدف تعزيز الاستثمار والتشغيل والإنتاج.تمّ في ذلك الوقت البدء بتقييد الأجور، ولكن زيادة عوامل الرفاه والضرائب التقدمية مثل زيادة الضرائب على الهبات والثروة.اغتيالهكان بالمه يسير مع زوجته خارج السينما دون حرس في 28 شباط/فبراير 1986، عندما تقدّم شخصٌ من الظلام وأطلق عليه النار. بقيت الجريمة إلى يومنا غير محلولة. تمّت محاكمة رجل في 1989 وبرأته محكمة الاستئناف.في عام 2020 أغلقت الشرطة السويدية التحقيق، حيث قال المدعي العام بأنّ هناك "أدلّة منطقية" على قيام فنان الغرافيك، ستيغ إنغشتروم، بارتكاب الجريمة، لم تتم محاكمة إنغشتروم لأنّه انتحر في عام 2000. والدافع المفترض لجريمته انتمائه لليمين وعلاقته بشركات بيع الأسلحة التي كرهت بالمه.FotoTTسيناريوهات اغتيال أخرىوفقاً لشهادة 124 شخص اختارت الشرطة التشكيك بها، كان هناك رجال يسيرون ومعهم أجهزة إرسال في وسط ستوكهولم ليلة اغتيال بالمه. وقد تبيّن فيما بعد. يذهب القول بأنّهم كانوا من المخابرات السويديةSäpo ، وكانوا يجرون عملية في الليلة ذاتها.على الأرجح كانت عملية المخابرات مرتبطة بعميل للمخابرات السوفييتية، وكان بإمكان رجال المخابرات، إن لم يكونوا يعلموا يقيناً، أن يفيدوا التحقيق في معرفة من كان الجاني.كما يشير المحللون إلى أنّ اغتيال بالمه قد تمّ على يد شرطة من العنصريين البيض المتعاطفين مع أنظمة الفصل العنصري التي انتقدها بالمه، أو ربّما العملاء لأنظمة الفصل العنصري تلك. يعود ذلك بشكل محدد إلى اعتراف أدلى به يوجين دي كوك، الكولونيل السابق في الشرطة العنصرية في جنوب إفريقيا، أمام المحكمة في عام 1996.قال يوجين بأنّ منفذ جريمة اغتيال بالمه جاسوس شهير يدعي كريغ ويليامسون. ورغم أنّ ويليامسون الذي كان يعيش في أنغولا قد أنكر التهم، فلا يزال الكثيرون مقتنعين بالأمر.Foto Jonas Ekströmer/TTصفقة سلاح هنديةكما أشار البعض إلى أنّ صفقة سلاح بين شركة Bofors السويدية، والهند على مدافع هاوتزر هي التي أودت بحياته. فعندما اكتشف بالمه قيام الشركة السويدية بمنح رشاوى لمسؤولين هنود لترسو عليهم الصفقة، وذلك عبر شركة بريطانية، أراد كشف الأمر فقررت الشركتان التخلّص منه.قال صديقه إنغفار كارلسون في ذكرى تأبينه: "كان السلام هو وظيفته الأكثر الأهمية، لأنّه رأى بأنّ الحرب هي التهديد الأكبر للبشرية".FotoBERT MATTSSONما رأيكم ببالمه؟ هل حقاً يستحق أن يكون أسطورة السياسة السويدية؟أم أنّه حاز على كلّ هذه الشهرة لأنه مات مقتولاً وتعددت سيناريوهات اغتياله؟شاركونا آرائكم