بين تجسيده الحياة كلعبة شطرنج يلعبها الموت ضدّ الإنسان، والفوز بعدّة جوائز أوسكار بأفلام ناطقة بالسويدية، وتحوله إلى أيقونة لإلهام أبطال وصنّاع السينما حول العالم، يبقى الراحل إنغمار بيريمان "إنغمار بيريمان Ingmar Bergman" أحد أهمّ الكتّاب والمخرجين السينمائيين والمسرحيين في التاريخ الحديث، وأحد أشهر الشخصيات السويدية خارج السويد. تعالوا ضمن سلسلة شخصيات "أكتر" السويد نتعرّف إلى حياة بيريمان وإنجازاته العالمية.نشأته وموتهولد إنغمار في 1918 في أوبسالا. كان والده قسيساً لوثرياً، ثمّ أصبح كاهن الملك، ووالدته ممرضة.نشأ بيريمان في بيئة محافظة دينياً، وكذلك من ناحية الأبوّة والأمومة. لكنّ البيئة التي ترعرع فيها كانت ملهمة له. وكما كتب في سيرته الذاتية: ترتعش أشعة الشمس الملونة فوق أغرب النباتات من لوحات العصور الوسطى والأشكال المنحوتة على الأسقف والجدران. كان هناك كلّ ما يمكن أن يرغب فيه المرء: ملائكة وقديسون وتنانين وأنبياء وشياطين وبشر...في 1934 بعمر الـ 16، ذهب لقضاء الصيف في ألمانيا عند عائلة من الأصدقاء، وكانت صورة هتلر موضوعة جوار سريره، وكان هتلر هو البطل الذي أعجب فيه في تلك الحقبة. وكما كتب لاحقاً: بدت النازية شيئاً طريفاً ومليئاً بالحيوية. لكنّه كره النازية بعد الكشف عن جرائم معسكرات الاعتقال.تزوّج خمسة مرّات، انتهت أربعة منها بالطلاق، وواحدة بموت الزوجة بالسرطان عام 1995كانت العلاقة بين أعمال بيريمان وحياته الشخصية غير قابلة للفصل. وحتّى هو في مقابلاته كان يقول بأنّ رؤاه الفنيّة متجذرة في الطفولة التي عاشها.اعتزل بيريمان إخراج الأفلام في آخر عام 2003. ثمّ في عام 2007، بعد 16 يوم من احتفاله بعيد ميلاده الـ 89، وجد ميتاً أثناء نومه في منزله في جزر فارو.أعمالهكتب بيريمان أو أخرج أكثر من 60 فلم، و170 عمل مسرحي، وألّف ما يزيد عن 100 مقالة وكتاب. وحاز على جميع الجوائز الممكنة، بما في ذلك أشهرها: الأوسكار وكان والسعفة الذهبية ودبّ برلين.أشهر أعماله فيلم: الختم السابع، والفراولة البريّة، وبيرسونا، وكذلك سيرته الشخصية: الوميض السحري. فيلم الختم السابع تحديداً له شعبية كبيرة حول العالم، حيث يناقش فلسفة الموت، ومحاولة البشر تأخيره أو مساومته، خاصة عندما ينتهي الفيلم بمشهد من الرقص السوريالي الذي يتوّج فلماً منخفض التمويل ومرتفع القيمة الفنية.لم يتخصص بيريمان في نوع واحد من الأفلام أو الأعمال، فمن بين أعماله يجد المرء تنوعاً في الموضوعات: العائلات المختلّة، والفنانين الفاشلين الذين يتجرعون العذاب، وفقدان الإيمان بالله، والشكّ في ما حولنا.يقول البعض بأنّ بيريمان من أبرز من تمكّن من إظهار عجزنا الجماعي عن التواصل مع بعضنا، وعن الخلل الذي نحبسه في نفوسنا.صوّر بيريمان أعماله بشكل شبه حصري في السويد، وقد بدأها بفيلم «عبر زجاج معتم» الذي تمّ تصويره بشكل أساسي في جزيرة الفارو شمال غوتلاند.يعكس رد الفعل المتحمس لأعمال بيريمان حول العالم، انبهاراً كبيراً بالغرابة الإسكندنافية: لغة غامضة، وطبيعة وحشيّة، ونساء ذوات شعر فاتح. ولا يمكن أن ننكر أنّ وجود الكثير من "العري" في معظم أفلام بيريمان قد ساهما بانتشارها.لكنّ إصرار بيريمان على أن تتمّ معظم أعماله باللغة السويدية كان أمراً غير مسبوق لشخص يريد تحقيق الشهرة العالمية.انهيار الضرائبفي بداية عام 1976، وأثناء إجراءه تجارب الأداء لمسرحية "الرقص مع الموت"، قدم إليه اثنان يرتديان زياً مدنياً، واعتقلاه. تبيّن بأنّهما شرطيان متخفيان اعتقلاه بتهمة التهرّب الضريبي. أصيب بيريمان بانهيار عصبي جرّاء ذلك، فقد عزّ عليه الإحساس بالإذلال الذي شعر به، وتمّ وضعه في المستشفى بسبب دخوله حالة من الاكتئاب الشديد. تمّت تبرئة بيريمان من التهمة، وبحسب المدعي العام: لا أساس قانوني للتهمة، وهي تشبه من يتهم شخصاً قاد سيارته بأنّه أخطأ بالسيارة عندما نوى سرقة سيارة جاره.لم يتعافى بيريمان من الصدمة التي تبعت ذلك. ورغم محاولة رئيس الوزراء أولوف بالمه تطييب خاطره بنفسه، قام بإغلاق الستوديو خاصته في جزيرة فارو، وأوقف مشروعي تصوير فيلم، ومضى تاركاً السويد إلى ميونخ الألمانيّة.قدّر هاري شين من رابطة المخرجين السويدية الضرر الذي لحق بالاقتصاد السينمائي السويدي نتيجة إيقاف بيريمان لمشاريعه بعشرة ملايين كرون، وفقدان مئات الوظائف.FotoFredrik Sandberg/TTصورة المخرج على ورقة 200 كرونالوقوف على القدمينبدأ بيريمان بالوقوف على قدميه، وقرر أن ينقل أعماله إلى الولايات المتحدة. في 1977 أخرج فيلماً من إنتاج أمريكي ألماني مشترك، وكان ثاني فيلماً بالإنكليزية له. ثمّ أتبعه بفلم من إنتاج نرويجي بريطاني مشترك.عاد بعدها إلى السويد لفترة وجيزة لإخراج فيلم فاني وألكسندر، والذي أعلن بأنّه سيكون فيلمه الأخير، حيث سيركز على الكتابة والعمل المسرحي. لكنّه لم يتوقف عن الإخراج، وكان آخر أعمال في عام 2003 بعنوان سارباند.لم يعد بيريمان إلى السويد إلّا للزيارة بعد ذلك واستقرّ في ميونخ، لكنّه تجاوز حقده على الحكومة السويدية، واحتفل بعيد ميلاده في جزيرة فارو. وأعاد إطلاق عمله المسرحي في المسرح الملكي. قبل أن يودّع الحياة في جزيرة فارو أثناء نومه. FotoANDERS WIKLUND / TT /صورته على طوابع بريدية