Aa
Photo canva
منصّة «أكتر» السويد
الجدال حول الحاجة إلى تعزيز اعتماد السويد على الطاقة النووية من عدمه مستمر، وهو ليس بالأمر الجديد. تمّ إتمام بناء آخر مفاعل نووي في السويد في 1985، لكن اليوم، ومع الارتفاع في أسعار الكهرباء الذي تشهده البلاد، يصبح نقاش الطاقة النووية أكثر حدّة.
فما هي التكلفة المادية لبناء مفاعلات طاقة نووية جديدة؟ وما هي الآراء حول الأمر؟ وما دور شركة الطاقة النووية الصينية؟ وماذا عن السلاح النووي؟
ما هي التكلفة المادية؟
يكلّف بناء المفاعلات النووية وتجهيزها في الغرب عادة قرابة 90 ألف كرون لكلّ كيلوواط. لكن في آسيا – في اليابان وكوريا الجنوبية والصين – ينخفض هذا الرقم إلى ما بين 15 و20 ألف كرون.
يعود هذا التفاوت إلى عوامل كثيرة، انخفاض تكاليف العمالة أحدها لكن ليس أهمها. ذكرت دراسة بريطانية عدّة عوامل تسبب هذا التفاوت، يعود معظمها لخلل في بنية الإنشاءات الغربية، ويمكن الاستفادة منها في حال اتخاذ قرار في السويد ببناء مفاعل نووي آخر لتقليص التكاليف، أهمها:
- إنهاء تصميم المفاعل قبل الشروع ببنائه.
- إدارة المشاريع خبيرة
- خبرة في تأمين سلاسل توريد متعددة
- التخطيط التفصيلي للتنفيذ قبل البناء
- بناء عدد من المفاعلات في موقع واحد
وقد قدّرت دراسة سويدية أجريت في 2016 بأنّه يمكن للسويد بناء مفاعل نووي بطاقة 1100 ميغا واط، خلال خمسة أعوام، بتكلفة 47 مليار كرون. وبأنّ إجراءات السلامة المعاصرة يمكن تطبيقها جميعها دون أن ترفع التكاليف بشكل كبير.
الجدال حول الأمر
ينقسم السويديون وأحزابهم اليوم حول اعتماد الطاقة النووية، أو التخلص منها بشكل تدريجي، أو التخلص منها بشكل سريع. لكن في الحقيقة هناك سيل من التقارير والدراسات التي يؤيدون بها طروحاتهم، ناهيك عن الأزمات التي تدعم هذه الطروحات.
في يونيو 2010 وافق البرلمان على بناء مفاعلات نووية جديدة لاستبدال القديمة فقط، بما لا يجاوز عشر مفاعلات يتم تشغيلها بوقت واحد. حاز القرار في حينه على موافقة 174 صوت، ومعارضة 172 صوت. كان المعترضون هم نواب: حزب الاشتراكيين الديمقراطيين وحزب اليسار وحزب البيئة. أمّا المؤيدون فنواب حزب المحافظين ومعظم حزب الوسط وحزب المسيحيين الديمقراطيين وحزب الليبراليين.
لكن لم يتم بعد هذا القرار الشروع في بناء أو تجديد أيّ مفاعل، وكانت مسألة طلب شركة Vattenfallفي 2014 بناء مفاعل جديد، وتجميد القرار هي آخر المستجدات البارزة في هذا الموضوع.
من أبرز الآراء التي يمكن تلمّس اختلافها عبر الطيف السياسي السويدي – وأحياناً داخل الحزب الواحد:
- الطاقة النووية هي طاقة مستدامة، ويجب الحفاظ على المفاعلات الموجودة وإطالة عمرها، وكذلك الشروع ببناء مفاعلات جديدة، وإزالة جميع العقبات القانونية لتحقيق ذلك – مثل حظر تشغيل أكثر من عشرة مفاعلات – لتلبية حاجة السويد من الكهرباء.
- الطاقة النووية مستدامة، لكن يجب إغلاق المفاعلات الموجودة تدريجياً، وبناء مفاعلات جديدة تضمن معايير سلامة عصرية أعلى. ومن الخطأ الاعتماد بشكل كلي على طاقة الرياح والماء. وحرمان السويد من الطاقة النووية عنى إزاحتها عن مواقعها التنافسية اقتصادياً.
- الطاقة النووية ليست مستدامة، ولكن يجب منح الأولوية لإيقاف استهلاك الوقود الأحفوري (نفط وغاز وفحم)، وعدم التسرّع بالتخلي عن المفاعلات الموجودة. مع عدم التوسع ببناء مفاعلات جديدة. وتجربة ألمانيا في إغلاق المفاعلات النووية، وعدم تمكنها من التحوّل للطاقة المستدامة خير دليل.
- الطاقة النووية ليست مستدامة، ويجب التخلّص من الموجودة على الفور، والاستعاضة عنها بطاقة الرياح والماء. يمكن تفادي النقص في التوريدات بالاستثمار في الطاقة المستدامة بشكل أكبر، والتحكم في الأسعار بإدارة أكثر فاعلية لفترات الذروة. خاصة أنّ ذلك سيعزز الاقتصاد السويدي على المدى الطويل ويضمن له الريادة.
شركة الطاقة النووية الصينية
هناك تشابك بين الطاقة المستدامة بالرياح – وهي التي يتفق الجميع على كونها مستدامة وعلى الحاجة للاستثمار فيها بالسويد، وبين الطاقة النووية لدرجة أكبر ممّا نتوقع.
لدينا مثال حالة شركة الطاقة النووية المملوكة للدولة الصينية «CGN»، وهي الشركة التي تملك خُمس (1/5) الاستثمارات في طاقة الرياح في السويد، والتي كانت تبلغ 90 مليار كرون في عام 2020.
قامت الشركة النووية الصينية في عام 2019بالاستثمار في 321 توربين هوائي في السويد، في أماكن مثل Bollnäs و Gällivare .
تثير استثمارات شركة الطاقة النووية الصينية بعض التساؤلات في السويد، فالبعض يرى بأنّ على السويد أن تأخذ الجانب الأمريكي الذي يتهم الشركة بسرقة تكنولوجيا نووية أمريكية لاستخدامات عسكرية. وأنّ على السويد أن توقف أيّ تعاون مستقبلي مع الشركة، وخاصة في المجال النووي.
بينما يرى آخرون بأنّ خبرات الشركة – الممتدة إلى أبعد من السويد – في الألواح الشمسية والتوربينات الهوائية والطاقة المستدامة المتفق عليها من الجميع، لا يمكن تعويضها. وسواء بدأت السويد ببناء مفاعلات نووية جديدة من عدمه، فالشركة الصينية لن تؤثر في اتخاذ هذا القرار ولا تنافسية تنفيذه.
ماذا عن السلاح النووي؟
يبدو من النفاق الحديث عن التوقف عن الاستعانة بمصادر الطاقة النووية، وعدم التحدث عن استخدام السلاح النووي.
كمثال: ماذا عن قيام صندوق تمويل التقاعد باستثمار مليار كرون سويدي في شركات مرتبطة بتصنيع السلاح النووي، ومن بينها 15 شركة موضوعة على اللائحة السوداء السويدية؟ مع العلم أنّ الحكومة قامت قبل ثلاثة أعوام بإدخال قواعد «الإدارة النموذجية» إلى صناديق التمويل السويدية، تأمرها فيها بأن تأخذ متطلبات الاستدامة بالاعتبار.
لكنّ المدافعين عن الاستثمار السويدي في الأسلحة النووية، يرون بأنّه يجب النظر إلى مسألة الاستدامة بمنظار أوسع، بحيث لا تركز فقط على البيئة والمناخ، ولكن أيضاً على الاستدامة الاجتماعية: أي يجب الاستثمار في صناعة السلاح النووي لحماية البلاد.
يرى هؤلاء – وعادة هم من مؤيدي الولايات المتحدة والناتو – بأنّ الاستثمار في السلاح النووي يعني ضمان حماية الديمقراطية السويدية.