منذ عام 2000، شهدت السويد تحولاً ديموغرافياً ملحوظاً، حيث ارتفعت نسبة الأفراد المولودين في الخارج من 11% إلى 20%. ويُعزّى هذا الارتفاع بشكل رئيسي إلى أولئك الذين هاجروا إلى السويد، بغضّ النظر عن السبب، من خارج أوروبا، وهي المجموعة التي واجهت تاريخياً تحديات في الاندماج داخل سوق العمل السويدي. لكن هل من الصحيح أنّ معظم المهاجرين في السويد يعيشون على إعانات الرفاه بينما يعمل السويديون الأصليون أكثر منهم؟ في هذا المقال، سنرى مدى صحّة وواقعيّة هذا الادعاء.معدلات التوظيفإحدى الوسائل التي قد تكون مفيدة للوصول إلى إجابة لكون المهاجرين في السويد يعتمدون على الإعانات أكثر من السويديين الأصليين هي معدلات التوظيف.لطالما كانت الفروقات في معدلات التوظيف بين السويديين الأصليين والمهاجرين نقطة نقاش. ومع ذلك، تشير البيانات الأخيرة إلى تقليص الفجوة، خاصة بعد الجائحة، مما يدلّ على فترة من التوظيف القياسي المرتفع بين السكان المولودين في الخارج (المهاجرون). يشير هذا الاتجاه إلى التحرك نحو سوق عمل أكثر شمولية، مع تقليص فجوة التوظيف من 17 نقطة مئوية قبل الجائحة إلى 11 نقطة مئوية حالياً.يمثّل المهاجرون في السويد اليوم طيفاً متنوعاً، من المهنيين الماهرين الذين جاؤوا بقصد العمل، إلى اللاجئين الهاربين من النزاعات. يُلاحظ بشكل خاص أن المهاجرين المولودين في أوروبا يُظهرون معدلات توظيف مماثلة تقريباً للسويديين الأصليين، بينما، ومع الأسف، فالنسب لدى المولودين خارج أوروبا لا تظهر الاتجاه ذاته.لكن بالرغم من ذلك، تُظهر الفئات من خارج أوروبا تحسنات ملحوظة، رغم انطلاقهم في سوق العمل في السويد من أوضاع أصعب من السويديين الأصليين. لا يمكن البتّ في السبب، ولكن يمكن تفسير الظاهرة بأنّ أعداد المهاجرين انخفضت بشكل ملحوظ منذ 2015، وأنّ الفترة التي قضاها هؤلاء في السويد سمحت لهم بالتعلّم والاندماج أكثر للحصول على عمل أفضل.في الحقيقة، الأسباب التي ذكرناها تشرح حالة ما بين 27 إلى 45٪ من الزيادة بين عامي 2019 و2023، أمّا الحالات البقية فلها أسباب أخرى لا يمكن حصرها، وذلك وفقاً لتقارير المعهد الاقتصادي السويدي konj. لماذا المهاجرون؟في هذا السياق، هناك سؤالٌ يطرح نفسه بقوّة: لماذا أصبح وضع المهاجرين في سوق العمل السويدي أفضل بعد الجائحة، وذلك بنسب فاقت تحسّن وضع السويديين الأصليين في سوق العمل؟من الفرضيات التي يمكن أن تشرح ذلك أنّ معدلات التوظيف بين السويديين الأصليين قد وصل إلى ذروته بالفعل (86٪)، ما يعني أنّ هناك مجالاً محدوداً جداً لتزيد هذه النسبة.الفرضية الأخرى أنّ ازدياد الوظائف المعروضة في القطاعات الخدمية التي لا تحتاج إلى مهارات مرتفعة، قد فتحت الباب لذوي المهارات المنخفضة من المهاجرين كي يجدوا عملاً لهم، وساهمت في وجودهم المكثّف في الوظائف ذوي الدخول المنخفضة.Foto: Drago Prvulovic/TTلا يعملون ولا يتلقون الإعانات!عند البحث عن إجابة لسؤال إن كان المهاجرون يعيشون على الإعانات أكثر من السويديين، من الجيد أن ننظر إلى إحصاءات المصدر الذي يحصل فيه الأشخاص على دخلهم.بالاعتماد على هذه البيانات، فإنّ نسبة الذين ينتمون إلى فئة المهاجرين القادمين من خارج أوروبا تتلقى إعانات أكثر من نسبة السويديين الأصليين والمهاجرين من داخل أوروبا. لكن هذا الرقم كلي.فإذا دخلنا في التفاصيل، فهذه النسب ليست شديدة التباين في الحقيقة: فـ 84٪ من السويديين الأصليين يعتمدون في دخلهم على العمل وليس على الإعانات، بينما 74٪ من المهاجرين الأوروبيين يعتمدون في دخلهم على العمل وليس على الإعانات، و69٪ من المهاجرين غير الأوروبيين يعتمدون على العمل وليس الإعانات. وعندما نجمع كافة أنواع الإعانات، يظهر أنّ 14٪ من السويديين الأصليين يعتمدون على الإعانات في حياتهم، و13٪ من المهاجرين الأوروبيين، و22٪ فقط من المهاجرين غير الأوروبيين يعيشون على الإعانات.لكن هناك ظاهرة أخرى تستحق إيلائها الاهتمام هنا: الذين ليس لديهم أيّ دخل مسجل، لا عمل ولا إعانات. هؤلاء تغلب عليهم فئة المهاجرين الأوروبيين بنسبة 12٪، يليهم المهاجرون غير الأوروبيين بـ 9٪، وبعدها السويديون بـ 2٪. يرجّح مكتب الإحصاء السويدي SCB بأنّ هؤلاء موجودون خارج السويد ولم يقوموا بشطب تسجيلهم كما ينبغي.الأعمال الأقل أجراً يبقى هناك وسيلة ممتازة للمقارنة بين السويديين الأصليين والمهاجرين: العمل في أعمال ذات دخل مرتفع ومنخفض، وذلك لمعرفة مدى الحاجة للإعانة.كما هو متوقّع، يحتلّ المهاجرون من خارج أوروبا نسبة مرتفعة من الأعمال منخفضة الأجر، والعكس صحيح. فنسبة 76٪ من السويديين الأصليين يعملون في وظائف تتخطى أجورها الحدّ الأدنى بعد خصم الضرائب (19 ألف كرون) بثلاثة أضعاف، بينما لا يعمل سوى 58٪ من المهاجرين في السويد (من أوروبا وخارجها) مقابل هكذا أجور.المشكلة أنّ البعض يقول بأنّ هذا التوزّع في نسب الأعمال مرتفعة الأجر طبيعي، فوفقاً لمقال DN، هؤلاء بأغلبهم من طالبي اللجوء، وأنّ: "الغرض الأساسي من هجرة اللجوء هو توفير الحماية للأشخاص الفارين من الحرب والاضطهاد. إن هجرة اللجوء لا تهدف في المقام الأول إلى أن تكون مربحة اقتصادياً، بل لأسباب إنسانية".Foto: Jessica Gow/TTعلى أيّة حال، قمنا في "أكتر" بالتواصل مع عدد من الخبراء في هذا الموضوع، لنستوضح منهم عن مدى صحّة هذا التبرير من ناحية اقتصادية، وفيما إن كان ينتهك حقوق الأشخاص في الحصول على فرص عمل متساوية من ناحية أخرى، وبعد أن تنضج هذه التواصلات سنقوم بنشرها في مقال منفصل.في الختام..تُثبت لنا الأرقام الواردة في المقال، والتحليلات المبنية عليها، أنّ من يقول بأنّ معظم المهاجرين في السويد يعيشون على الإعانات، لا يقع فقط في فخّ المبالغة، بل أيضاً محذور التجنّي على المهاجرين دون حق. فعندما يكون لدينا قرابة الـ 70٪ من المهاجرين يعملون ويكسبون رزقهم من العمل في السويد، ناهيك عن كون المهاجرين يعملون بأجور منخفضة نسبياً عند مقارنتها بالأعمال ذات الأجور المرتفعة، يبدو لنا بأنّ المهاجرين، وبحسب ما يتوفّر لهم من ظروف، هم إضافة تستحق التقدير للاقتصاد والمجتمع السويدي.