مقالات الرأي

ألم يحن الوقت لنحظى بثقافتنا الرمضانية السويدية؟

Aa

ألم يحن الوقت لنحظى بثقافتنا الرمضانية السويدية؟

ألم يحن الوقت لنحظى بثقافتنا الرمضانية السويدية؟

الكاتب عروة درويش لصالح منصّة "أكتر"


كلّ من عاش لفترة من الزمن – ولو كانت قصيرة نسبياً – في البلدان العربية، سيدرك بأنّ رمضان كان يأتي حاملاً معه أجواءه الثقافية الخاصة به، التي تجعل الأطفال يكبرون وهم يدركون مدى أهميّة رمضان بالنسبة للجميع. حتّى الأجانب، أو أهل البلد، ممّن لم يكونوا يصومون، كان يكفي حضورهم رمضان هناك ليدركوا بأنّه شهر مختلف للجميع.

لكن في السويد، وفي أوروبا عموماً، ليس لرمضان مكانته الثقافية التي يستحقها بعد، وذلك رغم وجود أعداد كبيرة من الذين لديهم أصول عربية. يأخذني هذا لمسألة أجدها شديدة الأهمية، مرتبطة بالهويّة الثقافية، ومدى حضورها، ومسألة ذوبان الهوية مقابل إثراء الهوية.

شعائر فقط!

يستمتع الذين يمارسون شعائر رمضان الدينية بقدوم هذا الشهر، فهو فرصة لهم كي يقوموا بشعائر دينية خاصة برمضان (مثال: الصيام وصلاة التراويح)، وهم بغالبيتهم قادرين على ممارسة هذه الشعائر سواء أكانوا في البلدان العربية، أم في أوروبا.

لكن ماذا عن البعد الثقافي غير الشعائري لرمضان؟

بالنسبة لممارسي الشعائر، وبالنسبة لغير ممارسيها، هناك عنصر مفقود في رمضان في أوروبا. قد يتمكن البعض من لمس هذا العنصر المفقود، ولكن قد يتوه آخرون فيه. وأكثر من يتوه في هذا الفقد هم الذين لم يعيشوا فترة كافية في البلاد العربية، أو الأطفال الذين ولدوا في السويد.

الطعام والطقوس

حاولت أكثر من مرّة أن أجد هذا العنصر المفقود، ولكنني أخفقت بأن أحدده بدقّة. يمكنني أن أفكّر مع القارئ بصوت مرتفع علّي أجد إجابة:

هل المفقود هو الطعام الخاص برمضان؟ أذكر أنّني سمعت من أحد العراقيين في حسرة بأنّه يشتهي سمك المسكوف، والتمر الهندي. بينما كان السوري يقول بأنّ رمضان دون ناعم وسوس هو رمضان ناقص، بينما كان اللبناني الذي يمسك علبة بقلاوة يقول: لا شيء مثل بقلاوة الصنوبر.

يستحقّ هذا النوع من الحنين الوقوف عنده. قد لا يكون الطعام بحدّ ذاته هو ما يُشعل ذاكرة السويديين من أصول عربية، بل الأجواء التي كانوا يأكلون فيها هذا الطعام، أو الطريقة التي يجلبونها بها. فسواء أدركنا أم لم ندرك الأمر، مطابخنا هي تعبير عن ثقافتنا كمجموعة.

يرى البعض الآخر بأنّ الزينة، وأسلوب عرض الطعام، ومواقيت افتتاح الأسواق المتغيرة، هي العنصر المفقود في رمضان. فبالنسبة لهؤلاء يكمن عنصر الحنين في الاحتفال الجماعي برمضان، وبالأجواء الباعثة على عمل الخير ضمنه.

ربّما هو الطعام، وربّما هي الأجواء، وربّما شيء آخر... الأمر متروكٌ لخيالك.

ثقافة متجذرة

يأخذني هذا إلى السؤال الذي طرحته في العنوان: متى سنحظى بثقافتنا الرمضانيّة الأوروبيّة؟

كان لي صديقة أمريكية تدعى آريانا. عند سؤالها عن أصلها، كانت تجيب بسرعة ودون تفكير: إيطاليّة. لكن صديقتي هذه ولدت في أمريكا، وأبوها ولد في أمريكا، وجدّها جاء إلى أمريكا عندما كان سنّه ١٨ أو ١٩ عام. ما الذي يجعل آريانا، وهي التي لا تتحدث اللغة الإيطاليّة، مقتنعة في لا وعيها، أو بوعيها غير المُدرك، بأنّها إيطاليّة وليست أمريكيّة؟

رغم أنّ لا أحد يمكنه إعطاء إجابة قطعية عن مثل هذا السؤال، يمكن للمتابعين، وللمطلعين عن الأبحاث الاجتماعية بهذا الخصوص، أن يفهموا الأمر: المناسبات الثقافية بمعناها الواسع (دينيّة وقوميّة واجتماعيّ ...الخ).

منذ بداية القرن الماضي عندما هاجرت أعداد كبيرة من الإيطاليين إلى أمريكا، سكن هؤلاء في مناطق قريبة من بعضهم البعض. كانت لديهم كنائسهم الكاثوليكية، التي بالرغم من أنّ قلّة من يدخلونها من جيل آريانا، تبقى رابطة قادرة على جمعهم معاً في أفراحهم وأتراحهم.

لديهم طرقهم بالاحتفال في أعيادهم، الأعياد التي قد تكون موجودة هي ذاتها لدى بقيّة الأمريكيين، إلّا أنهم يحتفلون فيها بطريقة «إيطاليّة».

كان لديهم مطبخهم الخاص، وزينتهم الخاصة، وقيمهم الخاصة التي لا تتعارض مع المجتمع المتعدد.

يمكنني الآن العودة إلى سؤالي المتشعب: متى ستصبح الحياة الثقافية للسويديين من أصول عربية جزءاً من ثقافة المجتمع السويدي؟ أليس رمضان جزءً من هذه الثقافة؟ ألا نريد للأطفال أن يحملوا القيم الرمضانيّة بحيث يثرون المجتمع السويدي وينخرطون به ولا يذوبون فيه؟

الجواب متروك لكم...

أكتر هي واحدة من أكبر منصّات الأخبار السويدية باللغة العربية وأسرعها نمواً.

توفّر المنصة الأخبار الموثوقة والدقيقة، وتقدّم المحتوى الأفضل عبر النصوص والأفلام الموجّهة لعددٍ متزايد من الناطقين باللغة العربية في السويد وأجزاء من الدول الاسكندنافية وبقية العالم.

تواصل معنا

Kaptensgatan 24, 211/51 Malmö, Sweden
VD -  Kotada@aktarr.se

Tipsa -  Press@aktarr.se

Annonsera -  Annonsering@aktarr.se

للاشتراك بالنشرة الاخبارية

متابعة أخر الاخبار و المواضيع التي تهمك

2023 Aktarr جميع الحقوق محفوظة لمنصة ©