أخبار السويد

تجريم حرق القرآن: حماية مستحقة أم خوف من الإرهاب؟

تجريم حرق القرآن: حماية مستحقة أم خوف من الإرهاب؟ image

عروة درويش

أخر تحديث

Aa

حرق القرآن

تجريم حرق القرآن: حماية مستحقة أم خوف من الإرهاب؟

بعد احتلال بعض الأشخاص، مثل سلوان موميكا وراسموس بالودان، عناوين الأخبار بسبب إحراقهم الاستفزازي للقرآن في أماكن عامة، ازداد الجدل بين القائلين بحق المسلمين في حماية كتابهم كفئة مستهدفة بالتحريض ضدهم، وبين القائلين بأنّ هذا ليس حقاً بل خوفاً يناقض الحريات العامة. من أبرز المتجادلين حول الفكرتين البروفسور في القانون الدولي أوفه برينغ Ove Bring، والبروفسور في الفلسفة العملية بير بون Per Bauhn. لهذا تواصلتُ مع الاثنين، محاولاً إيجاد إجابات أكثر عمقاً تفسّر لنا هذين الرأيين، في جوّ من الحوار العقلاني غير المتشدد، وغير الهادف لاصطياد الآراء.

كان البروفسور أوفه في إجازة طويلة، ولهذا كانت ردوده لنا مقتضبة ما دفعني للاعتماد في صياغة آراءه على ما كتبه في مقالات متعددة. بينما ردّ البروفسور بير بشكل أكثر تفصيلاً، وأكثر شرحاً، ما جعلني قادراً على صياغة موقفه من خلال ردوده المباشرة على استفساراتي.

أوفه برينغ: الحاجة إلى حماية الأمن القومي

دافع البروفيسور أوفه برينغ دافع في أكثر من موقع عن ضرورة تعديل قانون «التحريض ضد فئة معينة hets mot folkgrupp» ليشمل حرق النصوص الدينية المقدسة. وقد أوضح برينغ في مقالات متفرقة له، أن الحرق العلني للنصوص الدينية، مثل المصحف، يمكن أن يشكل تهديداً للأمن القومي السويدي. حيث أنّ هذه الأفعال قد تؤدي إلى استفزاز الجماعات المتطرفة، سواء داخل السويد أو خارجها، مما يعرّض المصالح السويدية للخطر. وقد أشار برينغ إلى أمثلة دولية حول تهديدات واعتداءات تم تنفيذها أو التخطيط لها رداً على مثل هذه الأفعال، بما في ذلك محاولات الهجوم على مؤسسات حكومية سويدية.

في هذا السياق، قال برينغ في مقالاته: «قضية حرق المصحف ليست مجرد مسألة حرية التعبير، إنّها تتعلّق أيضاً بالأمن القومي. يمكن أن يؤدي استفزاز بعض الجماعات المتطرفة إلى تعريض حياة المواطنين للخطر وتفاقم التهديدات الإرهابية». ويرى أن توسيع قانون «التحريض ضد فئة محددة» ليشمل النصوص الدينية لن يكون انتهاكاً كبيراً لحرية التعبير، بل هو إجراء ضروري لحماية البلاد من تهديدات الإرهاب.

وأضاف برينغ في جوابه لي: «نحن في الغرب العلماني لدينا القدرة على إظهار الاحترام للنصوص التي تعتبر مقدسة في الثقافات الأكثر تديناً من ثقافتنا. هذا التعديل ليس تراجعاً أمام المتطرفين، بل خطوة لحماية الأمن القومي مع الحفاظ على التوازن بين الحرية والأمان».

بير بون: رفض التنازل عن حرية التعبير

في المقابل، يعارض البروفيسور بير بون هذا الطرح بشدة. فقد أشار من قبل في مقالات عدّة، إلى أنّ تعديل قانون «التحريض ضد فئة محددة» ليشمل حرق النصوص الدينية يشكل تهديداً لحرية التعبير. وفي ردّه على أسئلتي، أوضح بون أنّ الأمن القومي يجب أن يُعالج كقضية منفصلة عن حرية التعبير، وأنه لا ينبغي لأي تشريع أن يمنح الجماعات المتطرفة القدرة على التأثير في القوانين المحلية.

يقول بون في رده: «المشاكل الأمنية يجب أن تُعالج كقضايا أمنية، وليس كقضايا حرية تعبير. إذا تم منح الجماعات المتطرفة الحق في تحديد ما يمكن قوله وما لا يمكن قوله استناداً إلى تهديدات بالعنف، فإن هذا يعني أننا نسلمهم مفاتيح الحرية. يجب أن تظل حرية التعبير محمية حتى في مواجهة التهديدات».

يوده ساندبيري تحرق القرآن في مالمو
Foto: Johan Nilsson

بين الضغط الدولي والحقوق الوطنية

واحدة من النقاط المثيرة في هذا الجدل هي التأثيرات الدولية المحتملة على السياسات الداخلية للسويد. إذ يرى برينغ أن القوانين السويدية يجب أن تأخذ في الاعتبار العلاقات الدولية والتداعيات الأمنية التي قد تنجم عن أفعال مثل حرق المصاحف، خاصة في ظل العلاقات الحساسة بين السويد وبعض الدول الإسلامية. وقد أشار إلى أن الهجمات على السفارة السويدية في بغداد وما تلاها من تهديدات هي دليل على ضرورة اتخاذ تدابير أكثر صرامة لحماية الأمن القومي.

يوضّح برينغ هذه النقطة قائلاً: «الهجمات التي استهدفت المصالح السويدية في الخارج بعد حرق المصاحف تظهر أن هذه الأفعال تتجاوز حدود النقاش الداخلي حول حرية التعبير. نحن نتحدث عن تهديدات تتعلق بالأمن القومي السويدي، ويجب أن يكون هناك تشريع يتعامل مع هذا الأمر بحزم».

من جانبه، رفض بون هذه الحجة، معتبراً أنّ أي تغيير في القوانين السويدية استجابةً لضغوط دولية يعتبر تراجعًا عن المبادئ الأساسية التي قامت عليها الدولة السويدية. وكتب بون في رده: «إذا أرادت السويد أن تحافظ على موقف قانوني مستقل، فعليها أن ترفض الخضوع للضغوط الخارجية. تعديل القوانين استجابةً لمطالب خارجية يضعف سيادة البلاد ويعطي إشارة خاطئة للمجتمع الدولي بأن السويد تخضع للتهديدات».

الاحترام الثقافي أم الخوف من الإرهاب؟

أحد الجوانب المثيرة في نقاش أوفه برينغ هو تقديمه للاقتراح على أنّه مبني على «الاحترام وليس الخوف». فبالنسبة له، توسيع القانون ليشمل النصوص الدينية المقدسة يعكس احتراماً للثقافات الأخرى، وهو لا يرى في ذلك تنازلاً أمام التهديدات. بل يعتقد أن هذا الإجراء يمكن أن يساهم في تهدئة الأوضاع ومنع تصاعد العنف.

يقول برينغ: «إذا تم منع حرق المصاحف أو النصوص الدينية الأخرى، فمن الممكن أن تختفي التهديدات الإرهابية الناتجة عن هذه الأفعال. هذا ليس استسلاماً للإرهاب، بل هو إجراء استباقي للحفاظ على السلام والاستقرار».

لكن بير بون يرفض هذه الفكرة تماماً، مشيراً إلى أنّ مثل هذه السياسات تمنح المتطرفين نفوذاً غير مبرر. في رده على هذه النقطة، اقتبس بون من الفيلسوف البريطاني براين باري الذي قال إن محاولة الحفاظ على «الوئام الاجتماعي samhällsfrid» من خلال القوانين الدينية هو بمثابة وضع «الفاليوم في إمدادات المياه». وأضاف بون: «الحق في الاحترام ليس حقاً في عدم تحدي المعتقدات. إذا تم استخدام القانون لحماية مشاعر معينة، فإن هذا سيفتح الباب أمام كل مجموعة تسعى لفرض أجندتها على الآخرين».
 

من نتائج الشغب التالي لحرق القرآن في مالمو
Foto: Johan Nilsson

بدائل لحماية الأمن القومي دون المساس بالحرية

فيما يتعلق بالبدائل، يعتقد بير بون أن الحل لا يكمن في تقييد حرية التعبير، بل في تعزيز الإجراءات الأمنية وزيادة الموارد المخصصة للتصدي للجماعات المتطرفة التي تشكل تهديداً حقيقياً. وأكد بون: «بدلاً من تقييد حرية التعبير، يجب أن نركز على تحييد التهديدات الحقيقية التي تواجه المجتمع. يمكن تحقيق ذلك من خلال توفير الموارد الكافية لأجهزة الأمن والاستخبارات لمكافحة التطرف والجماعات التي تسعى لفرض أجندتها بالقوة».

توازن معقد بين الأمن والحرية

في نهاية المطاف، يبقى الجدل حول حرق المصاحف وحرية التعبير في السويد غير محسوم. بينما يدافع أوفه برينغ عن تعديل قانون «التحريض ضد فئة محددة» لحماية الأمن القومي وإظهار «الاحترام الثقافي»، يرى بير بون أنّ هذا الاقتراح يمثّل تهديداً لحرية التعبير، وقد يمنح المتطرفين القدرة على التأثير في التشريعات. كلا الأكاديميين يتفقان على أهمية الأمن القومي، لكنّهما يختلفان حول الطريقة الأمثل لحمايته دون التضحية بالقيم الأساسية التي قام عليها المجتمع السويدي.

السؤال الذي يبقى مطروحاً، ويمكنكم أنتم الإجابة عنه: هل يجب أن يتغير القانون لحماية المجتمع من التهديدات الأمنية، أم يجب الحفاظ على حرية التعبير حتى في مواجهة المخاطر المحتملة؟ في عالم يواجه تحديات متزايدة، يجب علينا التفكير بشكل أعمق في هذه المسائل.

أكتر هي واحدة من أكبر منصّات الأخبار السويدية باللغة العربية وأسرعها نمواً.

توفّر المنصة الأخبار الموثوقة والدقيقة، وتقدّم المحتوى الأفضل عبر النصوص والأفلام الموجّهة لعددٍ متزايد من الناطقين باللغة العربية في السويد وأجزاء من الدول الاسكندنافية وبقية العالم.

تواصل معنا

Kaptensgatan 24, 211/51 Malmö, Sweden
VD -  Kotada@aktarr.se

Tipsa -  Press@aktarr.se

Annonsera -  Annonsering@aktarr.se

للاشتراك بالنشرة الاخبارية

متابعة أخر الاخبار و المواضيع التي تهمك

2023 Aktarr جميع الحقوق محفوظة لمنصة ©