انبوكس أكتر

مقال رأي- هل حقاً تدرك السويد الحجم الحقيقي لقضية سحب الأطفال؟

Aa

مقال رأي- هل حقاً تدرك السويد الحجم الحقيقي لقضية سحب الأطفال؟

مقال رأي- هل حقاً تدرك السويد الحجم الحقيقي لقضية سحب الأطفال؟

الكاتب: سعد عبد الرازق 

تنويه: المواد المنشورة في هذا القسم هي رسائل وصلت إلى هيئة تحرير منصة أكتر الإخبارية، وتنشرها كما وردت، دون تدخل منها - سوى بعض التصليحات اللغوية الضرورية- وهي لا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة أو سياستها التحريرية.


لعلنا معظمنا قرأ عناوين تلك الأخبار التي تتحدث عن كيفية تعاطي الحكومة والدوائر السويدية فيما يخص قضية سحب الأطفال من قبل السوسيال في السويد. 

ابتداء بتلك التي تتحدث عن تفعيل السويد لحالة "إدارة الأزمات" في المكاتب الحكومية السويدية بسبب ما سموه بـالمزاعم الكاذبة بأن السلطات في السويد تختطف أطفالاً من عائلات مسلمة، حيث تم كذلك تفعيل حتى السفارات السويدية حول العالم لمواجهة ما وصفته وزارة الخارجية السويدية بالهجوم العدواني للغاية على سيادة القانون السويدي والسلطات وأساس الديمقراطية بحسب بيانها.

ومررواً بتعبير وزير الاندماج والهجرة السويدي أندرس يغمان - بشكل ضمني - عن ارتياحه لافتقار المهاجرين للمعرفة باللغة السويدية مما ساهم "بحسب رأيه" من تخفيف شدة الحملة المضللة ضد السويد. 

وليس انتهاءاً بنشر السوسيال لمعلومات بـ 18 لغة عن عملهم حول رعاية الأطفال ووصايتهم وفق قانون  LVU على أحد مواقعهم الإلكترونية.

لكن لكي نتمكن من الإجابة على السؤال المطروح في عنوان المقال وجب علينا أولاً وقبل كل شيء أن نفهم بعض الاختلافات الأساسية بين عقلية أصحاب القضية (العائلات) والمناصرين لهم، وبين عقلية المجتمع السويدي بما فيه من سياسيين ومشرعين وعامة الشعب. 

حيث إنه من المستحيل بمكان أن تصل السويد إلى أية حلول ناجعة ما لم تتمكن من رؤية المشكلة كما هي بعيون أصحابها، كذلك يمكن للحلول الخاطئة أن تدفع حتى أبسط وأصغر المشاكل لتصبح كوارث خطيرة لا يمكن لأحد أن يسيطر على نتائجها.

ولأن الغرض الأساسي من السلطة هو تحقيق مصالح الشعب وحل مشاكلهم، وجب على السياسيين الإنصات أولاً.

أدرك تماماً هنا أن أولئك الذين ينتقدون طريقة عمل السوسيال ينتمون إلى بيئات وبلدان مختلفة، لذا سأخصص الحديث بهذا المقال عن الاختلافات الموجودة بيننا كجالية عربية وشرقية في هذه البلاد وبين عقلية المجتمع السويدي. 

لكن وجب التنبيه قبل كل شيء أن الهدف من المقارنات القادمة ليس على الإطلاق إصدار الأحكام الجمعية على مجتمع أو سلوك ما، إنما الهدف هو فقط إظهار نقاط الاختلاف بغرض البحث عن الحلول الممكنة ليس أكثر. 

إن مفهوم العائلة لدينا نحن العرب والقادمين من الشرق عموماً يعد واحداً من أكثر نقاط الاختلاف مع المجتمع السويدي، فبينما يعد الترابط الأسري لدى معظمنا شيء مقدس يجب على المرء التضحية بكل شيء في سبيل الحفاظ عليه مدى الحياة، ينظر المجتمع السويدي إليه بالمجمل على أنه مجرد حالة زمنية عابرة على المرء التأقلم على فكرة تغييره في أي لحظة. 

على سبيل المثال قد تجد عدداً هائلاً من النساء والرجال في بيئتنا من الذي يصرون على الحفاظ على زواجهم، رغم عدم توافقهم أو رضاهم الكامل على شريك حياتهم ورغم توفر العديد من البدائل، وفي معظم الحالات تراهم يفعلون ذلك فقط لكي يراعوا مصلحة أطفالهم الذين لا شك بدورهم سيرغبون ببقاء الوالدين معاً وبتجنب الطلاق. 

لكن في المقابل تجد الكثير من النساء والرجال السويديين الذين يقومون باستبدال شريك حياتهم كل بضعة سنين، وأحياناً يحدث ذلك لأتفه الأسباب دون أي اكتراث حقيقي بالتبعات.

فحيث يكون الطفل في العائلة لدينا هو كل شيء، بل هو حتى غاية الارتباط كله في معظم الزيجات، ولأجل سعادته في حياته قد يضحي كلا والديه بسعادتهم، يكون الطفل في العائلة لديهم شيء حبذا لو يجيء في مرحلة متأخرة قليلاً من العمر "إن كان لا بد من قدومه"، وفي حال كانت سعادته قد تشكل عائقاً أمام سعادة والديه، فالبعد عنه عندها شيئاً قد يمكن التعايش معه.

طبعاً الحديث هنا ليس بهدف انتقاص حب السويديين لأطفالهم أو لاهتمامهم بهم، وكما ذكرت سابقاً ليس بهدف القول أن ثقافة مجتمع ما أفضل من غيره، إنما هو فقط لإثبات واقع مشهود يعرفه معظمنا في هذه البلاد. وإن كنت لا تعرفه أسال من تعرفهم من السويديين الذين لديهم أطفال عن أعمارهم وعن أعمار أطفالهم وعن عدد العلاقات التي مروا بها في حياتهم، وأسال كذلك عن نسب حالات الطلاق لديهم، وعدد الأطفال الذين يتخلى عنهم أحد والديهم أو كلاهم، واستنتج بنفسك.
كما نعرف جميعنا أن معظم شبابنا يفضلون الارتباط بعلاقة زوجية في بداية سن الشباب بهدف التمكن من قضاء أطول وقت ممكن مع أطفالهم وهم ما زالوا في قوة وصبر الشباب ، بينما يفضل معظم الشباب السويدي أن يقضي فترة شبابه متنقلاً بين العلاقات والبلدان حتى يشعر بالشبع التام من معظم ملذات الحياة، ومن ثم قد يفكر في إيجاد شريك له لما تبقى مع العمر ولربما أطفال.

وكل ما ذكرت سابقاً لا ينفي وجود الكثير من الاستثناءات في كل المجتمعين، لكن مع ذلك لو نظرنا للصورة المجملة فسنجد الأمر بهذه الصورة التي ذكرت. 

أحد النقاط الأخرى بهذا الموضوع والتي لا تقل بأهميتها عن سابقتها هي الثقة بمؤسسات الدولة السويدية. 

فبحسب أخر الإحصائيات من العام السابق فإن ثقة السويديين في جميع الهيئات والمؤسسات تقريباً كانت إيجابية وفي ازدياد مقارنة بالأعوام التي سبقتها، ولك أن تتخيل مثلاً أن ثقة السويديين في الرعاية الصحية في البلاد بلغت 81 %.

وليس سراً هنا أن ثقة معظم الوافدين العرب بدوائر الدولة هي في مستويات مختلفة تماماً، ويكفي أن تستمع أو تقرأ للنقاشات الدائرة حول ما يتعرض له الكثيرون منا من مواقف عند التعامل مع مختلف دوائر الدولة، ابتداءاً بمؤسسات الرعاية الصحية، إلى دوائر الهجرة، والمدارس، والشرطة، وليس انتهاءاً بالسوسيال، لتعرف الحجم الحقيقي للثقة عندنا نحن القادمون من بلاد مختلفة. 

ولاحظ هنا صديقي القارئ أني لا أقول أن دوائر ومؤسسات الدولة ليست جديرة جداً بالثقة ولا أقول العكس كذلك. 

أنما أثبت فقط أن هناك اختلافاً كبيراً في تقييم هذه القضية بين كلا المجتمعين يعود بشكل رئيسي لتعرض الكثير من الوافدين على هذه البلاد لمواقف وتعاملات كثيرة مع مختلف هذه الدوائر خلال فترة زمنية قصيرة، نظراً لأن الوافد الجديد غير معتاد على طريقة عمل هذه المؤسسات وفي ذات الوقت هو بحاجة للتعامل مع معظمها عند قدومه، ومع وجود الكثير من التجاوزات المتعلقة بالتمييز في التعامل بين السويديين وبين غيرهم من الوافدين الجدد بالتأكيد سيزداد الأمر سوءاً، ذلك بالإضافة لكون الوافدين الجدد يحملون أيضاً تجاربهم الخاصة من البلاد السابقة التي عاشوا بها.

فعندما تقول لعائلة عربية مسلمة أن عليها أن تثق بمؤسسة كالسوسيال، في الوقت الذي تسيطر فيه بعض الأحزاب المعارضة لاستقبالهم على البلديات التي يعيشون بها، والتي قام بعضها مؤخراً بحظر الحجاب في المدارس وفي أماكن العمل الرسمية، لربما سيكون جوابها الضحك. 

لك أن تتخيل صديقي القارئ أن بلاغاً واحداً من شخص مجهول الهوية يكفي لأن يفتح موظف السوسيال بتلك البلدية قضية تحقيق بشأن أطفالك، وبالطبع لا بد من قرار في نهاية ذلك التحقيق، والذي سيرفع بدوره لأحد أعضاء لجنة الرعاية الاجتماعية في البلدية للتوقيع عليه، لتذهب أنت للعمل وتعود فلا تجد أطفالك!  لا، بالطبع الأمر ليس بهذه البساطة، ستقول لنفسك! 

لذا لإيجاد الحقيقة أنصحك بمحاولة قراءة قانون ( LVU Lag 1990:52)  ، والتركيز على الفقرة السادسة فيه " Omedelbart omhändertagande" أي الرعاية العاجلة، وستجده على محرك بحث غوغل بكامل تفاصيله.

لكن السؤال هنا، هل يعاني السويديين أيضاً مع هذا القانون؟ 

بالطبع ستجد هناك مع يعاني وستجد من ظلم أيضاً، لكن ليس على الإطلاق بنفس الحجم الذي قد يعاني منه اللاجئين في هذه البلاد الذين يتعرضون بطبيعة الحال للتمييز بصورة فجة في كل مكان، عند البحث عن عمل، عند طلب الرعاية الصحية، في المدارس وفي كل مكان آخر بحسب اعتراف مؤسسات هذه الدولة ذاتها.

لكن خطورة حدوثه تحديداً مع دائرة السوسيال قد تعني باختصار أن حياتك وحياة أسرتك قد تحطمت للأبد، خاصة عندما تكون ثقتك بمؤسسات هذا البلد متدنية بسبب ما تعرضت له سابقاً هنا وهناك، بينما ستكون ثقة أبناء هذه البلاد راسخة عميقة، لأن لا سبب لديهم يدعوهم للشك في أن بلديتهم ستعاملهم بعنصرية، إضافة لشعورهم الداخلي بالثقة والقوة النابعين بشكل رئيسي من انتمائهم لهذه البلاد ومعرفتهم بصغيرها وكبيرها واتقانهم للغتها. 

ولهذا قد نجد أن حالات سحب الأطفال من العائلات السويدية التي نسمع عنها تدور معظمها حول شبهات الإدمان والانتهاكات الخطيرة بحق الأطفال، بينما قد تحدث ذات الإجراءات لعائلة عربية أيقظ بكاء ابنهم المسكين جارهم بالسكن، فظن بلا مقدمات أن الطفل يتعرض للضرب، وسجل بلحظات بلاغاً وهمياً ضدهم.

وبالعودة لعنوان المقال، هل تدرك السويد حقاً الحجم الحقيقي لقضية سحب الأطفال، وبنظرة سريعة لما قامت به السويد حتى الآن من خطوات في سبيل حل هذه الأزمة أو التخفيف منها، أخشى أن أصرخ بصوت مرتفع بأنهم للأسف ما زالوا يسيرون في الطريق المعاكس تماماً للحلول، لأن لا حل حقيقي لهذه الأزمة إلا بإجراءات ملموسة على الأرض لمراجعة جميع حالات سحب الأطفال التي يشك أصحابها بوقوع الظلم عليهم، بالإضافة لوعود حقيقية بالبدء بإجراء إصلاحات وتحديثات لقانون LVU للحد من صلاحيات لجنة الشؤون الاجتماعية ومحققيها، وبمحاولة إيجاد طرق أكثر منطقية للتعامل مع البلاغات المجهولة المصدر. 

وإلا فأنا حقيقة لا أجرؤ على تخيل ما قد يقدم عليه أم أو أب مفجوعين بعد تركهم لكل شيء خلفهم في بلدها الأم وخوضهم للبحار ومواجهتهم الموت ليصلوا لهذه البلاد الراقية المتحضرة، راجين فقط تأمين مستقبل أفضل لطفلهم، ليجدوا أنفسهم فجأة تحت أقدام رجال الشرطة يقاومون ويصرخون محاولين تخليص ابنهم الوحيد من أيدي موظفي الشرطة الذين جاءهم الأمر بسحب الطفل. 

هل حقا يمكن لشخص يدرك الحجم الحقيقي لهذا الأمر أن يتجاهله ويتمكن من الاندماج في هذه البلاد، أم أن مصير الهروب مجدداً هو ما قد تقدم عليه الكثير من العائلات في الفترة القادمة بهدف حماية أطفالهم. وهل تفهم السويد إلى أين تتجه الأمور على الأرض، أم أنها قد تعلمت للأسف تلك الدروس الخاطئة من بعض حكومات العرب؟ المستقبل القريب كفيل بالإجابة. 



سعد عبد الرزاق: طالب جامعي ومدون حر

أكتر هي واحدة من أكبر منصّات الأخبار السويدية باللغة العربية وأسرعها نمواً.

توفّر المنصة الأخبار الموثوقة والدقيقة، وتقدّم المحتوى الأفضل عبر النصوص والأفلام الموجّهة لعددٍ متزايد من الناطقين باللغة العربية في السويد وأجزاء من الدول الاسكندنافية وبقية العالم.

تواصل معنا

Kaptensgatan 24, 211/51 Malmö, Sweden
VD -  Kotada@aktarr.se

Tipsa -  Press@aktarr.se

Annonsera -  Annonsering@aktarr.se

للاشتراك بالنشرة الاخبارية

متابعة أخر الاخبار و المواضيع التي تهمك

2023 Aktarr جميع الحقوق محفوظة لمنصة ©