مقالات الرأي

إحراق الكتب المقدسة حرية تعبير أم خطاب كراهية وفتنة وعنف؟

Aa

إحراق الكتب المقدسة حرية تعبير أم خطاب كراهية وفتنة وعنف؟

إحراق الكتب المقدسة حرية تعبير أم خطاب كراهية وفتنة وعنف؟

بقلم أحمد الخضري خاص "أكتر"... سلطت أعمال الشغب العنيفة التي هزت السويد إثر تجمعات نفذها أو خطط لها اليمين المتطرف لحرق نسخ من القرآن، الضوء مجدداً على حدود حريّة التعبير في السويد أو في العالم بشكل عام، بالإضافة إلى الفصل العنصري الذي يتزايد تحت غطاء حرية التعبير. تفتح هذه الأحداث النقاش حول مدى صحة اعتبار تلك التصرفات ضمن نطاق حرية التعبير.

هل يجب أن تكون حرية التعبير بلا قيود كونها إحدى مبادئ الديمقراطية، أم أنها يجب أن تتوقف عند حدود عدم الإساءة إلى المعتقدات الدينية بمجملها؟

مع كل حادثة من هذا النوع، يتكرر نقاشٌ مثير للجدل حول حدود حرية التعبير في العالم، التي تُعدّ حقاً أساسياً وربما مقدساً في الدول الديمقراطية، والحدّ الفاصل الواجب تواجده بين حرية التعبير وخطاب الكراهية الذي يحرض على العنف والفوضى . في الوقت نفسه، تحظى حرية التعبير بحماية واسعة. فمثلاً في السويد لا يجوز للشرطة أن تحظر إقامة بعض التجمعات لحرق كتاب مقدس إلا إذا كانت تشكل "تحريضاً على العنف ضد مجموعة إثنية ما"، لكنّ نطاق تفسير هذا الاستثناء محدود جداً، فنجد أن الشرطة لاتزال تعطي تصريحات لإقامة تجمعات لحرق القرآن على الرغم من حوادث العنف التي تحدث في كل مرة.
وفي سياق متصل، قال وزير العدل السويدي مورغان يوهانسون خلال مؤتمر صحافي "نعيش في ديمقراطية فيها حيز واسع جداً لحرية التعبير والإعلام، ونحن نعتز بذلك".وشدد على أن "ما من نية لتضييق مجال الحريات حتى وإن استغلها يميني دنماركي للحض على الكراهية والشقاق والعنف، وهو أمر مؤسف".

 وزير العدل السويدي مورغان يوهانسون

السويد ليست استثناء.. 

في الدنمارك، أثارت صحيفة "يولاندس بوستن" جدلاً واسعاً عام 2005، عندما نشرت سلسلة من الرسوم الكاريكاتيرية التي تصور النبي محمد. وفي حين أنّ الأمر قد تسبب في حينه بغضب كبير بين الجالية المسلمة، وأدى إلى هجمات على السفارات الدنماركية في دول عدة، لكن في الدنمارك جرى إسقاط التهم الموجهة إلى فريق التحرير في "يولاندس بوستن" لصالح حرية التعبير.

صحيفة "يولاندس بوستن" 

في الولايات المتحدة، ترقّب السياسيون بحذر تهديدات القس المتطرف تيري جونز، عام 2010، بحرق نسخة من القرآن، تزامناً مع ذكرى هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 التي شنها تنظيم "القاعدة" الإرهابي على الولايات المتحدة. وفي حين أدان السياسيون القس بشدة، لم يشكك أحد في حقه في القيام بمثل هذا العمل، بل دافع كثيرون عن هذا الحق ضمن ما يندرج في حرية التعبير.

 القس المتطرف تيري جونز

جميع الكتب المقدسة أصبحت مباحة.. والأمم المتحدة تدين

لم يعد تكرار حوادث حرق الكتب السماوية مقتصراً على مكانٍ أو كتابٍ مقدس بحد ذاته، ففي فبراير (شباط) الماضي، أحرق زوجان من للمنتمين لمجتمع الميم عين نسخة من الكتاب المقدس "الإنجيل" لإغاظة مجموعة من المسيحيين المحافظين في ولاية تينيسي الأميركية، وفي 2020 خلال احتجاجات "حياة السود تهم"، برز مقطع فيديو لمجموعة متظاهرين في مدينة بورتلاند بولاية أوريغون الأميركية، يحرقون نسخاً من الإنجيل. باتت قضية حرق الكتب الدينية تحظى بانتشار واسع في ظل التطور التكنولوجي والإنترنت وكأنها أصبحت موضة العصر للتعبير عن الحريات، على الرغم من الآثار السلبية الكبيرة التي تنطوي خلف هذه "الحريات.."

في الوقت نفسه شغل الجدل بشأن مفهوم الإساءة للأديان - الذي يتمثل في أشكال عدة من بينها حرق الكتب المقدسة وعلاقته بحرية التعبير - الأمم المتحدة، خاصة في ظل تزايد حوادث الاعتداء على الرموز الدينية. لهذا تبنى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قراراً غير ملزم في عام 2009 يدين الإساءة للأديان. وعلى الرغم من تبني القرار"غير الملزم"، أعربت حكومات غربية وناشطين عن رفضهم لهذا النص بسبب مخاوف من استغلال القرار لإسكات وتخويف الأصوات المستقلة وحرية التعبير.

لكن مع تكرار حوادث حرق الكتب المقدسة التي باتت تتحول إلى عنف، باتت الأمم المتحدة تدين مثل هذه التصرفات باعتبارها "تحريضاً على الكراهية الدينية". فعندما جرى حرق نسخة من المصحف في السويد قبل عامين، أعرب الممثل السامي لتحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة ميغيل موراتينوس عن إدانته القاطعة لتدنيس المصحف، وقال في بيان إن "مثل هذه الأعمال المؤسفة يرتكبها دعاة الكراهية، بما في ذلك المتطرفون اليمينيون، وغيرهم من الجماعات المتطرفة التي تحرض على العنف وتمزق نسيج مجتمعاتنا". وأشار الممثل السامي إلى أن هذه التصرفات إهانة للأهداف والقيم التي يعتنقها تحالف الأمم المتحدة للحضارات، الذي يعمل على تعزيز الاحترام المتبادل والتفاهم وتعزيز الحوار بين الثقافات والأديان. كما شدد الممثل السامي على أنه يجب نبذ تدنيس الكتب المقدسة ودور العبادة، وكذلك الرموز الدينية من قبل جميع المعتقدات. ودعا الزعماء الدينيين من جميع الأطياف إلى تجديد استنكارهم لجميع أشكال العنف على أساس الدين أو المعتقد.

 الممثل السامي لتحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة ميغيل موراتينوس

وبعد يبقى السؤال.. لماذا لا تتجسد حرية التعبير إلا بالتطاول على الكتب المقدسة؟ وكيف يكون الرد المطلوب والفوري على هذا الاستفزاز الابتزازي المتصاعد؟ وهل هذه حرية تعبير أم صناعة كراهية وطلب للشهرة؟

ما رأيكم أنتم؟


اقرأ أيضاً مقالات لنفس الكاتب أحمد الخضري

غلاء الأسعار يفسد فرحة البسطاء في السويد بالعيد

 

أخبار ذات صلة
المزيد من أخبار - مقالات الرأي

أكتر هي واحدة من أكبر منصّات الأخبار السويدية باللغة العربية وأسرعها نمواً.

توفّر المنصة الأخبار الموثوقة والدقيقة، وتقدّم المحتوى الأفضل عبر النصوص والأفلام الموجّهة لعددٍ متزايد من الناطقين باللغة العربية في السويد وأجزاء من الدول الاسكندنافية وبقية العالم.

تواصل معنا

Kaptensgatan 24, 211/51 Malmö, Sweden
VD -  Kotada@aktarr.se

Tipsa -  Press@aktarr.se

Annonsera -  Annonsering@aktarr.se

للاشتراك بالنشرة الاخبارية

متابعة أخر الاخبار و المواضيع التي تهمك

2023 Aktarr جميع الحقوق محفوظة لمنصة ©